التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٥
المطعم والمشرب والملبس إلى ما فيه الحياة.
اخبر الله تعالى على وجه الامتنان على خلقه بأصناف نعمه انه مكن عباده في الأرض بمعنى مكنهم من التصرف فيها، والتمكين اعطاء ما يصح معه الفعل مع ارتفاع المنع، لان الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى آلة والى سبب، كما يحتاج إلى رفع المنع، فالتمكين عبارة عن حصول جميع ذلك.
والأرض هذه الأرض المعروفة، وفى الأصل عبارة عن قرار يمكن أن يتصرف عليه الحيوان، فعلى هذا لو خلق مثلها، لكانت أرضا حقيقة.
وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " فالجعل وجود ما به يكون الشئ على خلاف ما كان، مثل ان تقول جعلت الساكن متحركا، لأنك فعلت فيه الحركة، ونظيره التصيير والعمل،. وجعل الشئ أعم من حدوثه، لأنه قد يكون بحدوث غيره فيه مما يتغير به.
وقوله " قليلا ما تشكرون " نصب قليلا ب‍ (تشكرون)، وتقديره تشكرون قليلا. و (ما) زائدة. ويحتمل أن تكون مع ما بعدها بمنزلة المصدر، وتقديره قليلا شكركم. والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم، والحمد مثله. وقيل: الفرق بينهما ان كل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا، لان الانسان يحمد على احسانه إلى نفسه، ولا يشكر عليه، كما أنه يذم على إساءته إلى نفسه، ولا يجوز ان يكفر من اجل إساءته إلى نفسه.
قوله تعالى:
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (10) آية بلا خلاف.
هذا خطاب من الله تعالى لخلقه بأنه خلقهم. والخلق هو احداث الشئ على تقدير تقتضيه الحكمة، لا زيادة على ما تقتضيه، فيخرج إلى الاسراف،
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست