التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٠
يهبط منها، وما بعد القول وإن كان استئنافا والفاء لا يستأنف بها وإنما يكون كذلك، لان ما قيل له بعد جوابه الذي أجاب به، فهو حكاية ما كان من الكلام له الثاني بعد الأول.
والهبوط والنزول واحد. وفرق بينهما بأن النزول يقتضي تنزله إلى جهة السفل بمنزلة بعد منزلة، وليس كذلك الهبوط، لأنه كالانحدار في المرور إلى جهة السفل، وكأن الانحدار دفعة واحدة، كما قال الشاعر:
كل بني حرة مصيرهم * قل وإن أكثروا من العدد إن يغبطوا يهبطوا وإن * أمروا يوما فهم للفناء والفند (1) وقيل في الضمير الذي في قوله " منها " قولان:
أحدهما - قال الحسن: إنه كناية عن السماء، لأنه كان في السماء فاهبط منها.
الثاني - قال أبو علي: كناية عن الجنة.
فان قيل من أين علم إبليس أن الله تعالى قال له هذا القول؟
قلنا عنه جوابان: أحدهما - قال أبو علي: إنه قال له على لسان بعض الملائكة.
الثاني - أنه رأى معجزة تدله على ذلك.
وقوله " فما يكون لك أن تتكبر فيها " معناه ليس لك أن تتكبر فيها، والتكبر إظهار كبر النفس على جميع الأشياء، فهو في صفة العباد ذم، وفي صفة الله مدح، كما قال تعالى " الجبار المتكبر " (2) فالجبار القاهر لجميع الأشياء. والمتكبر الدال بذاته على أنه أكبر من جميع الأشياء. وقوله " فاخرج إنك من الصاغرين " أمر من الله لإبليس بالخروج، لأنه من الصاغرين.
والصاغر هو الذليل بصغر القدر، صغر يصغر صغرا وصغارا، وتصاغرت إليه نفسه ذلا ومهانة، والأصل الصغر.

(1) قائلة لبيد وقد مر في 1 / 73 (2) سورة 59 الحشر آية 23.
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست