لهم، ولم يكن ذلك استخفافا بهم بالاعمال.
وقد قال الجبائي: إن الطين خير من النار، لأنها أكثر منفعة للخلق من حيث أن الأرض مستقر الخلق وفيها معايشهم، ومنها تخرج أنواع أرزاقهم لان الخيرية في الأرض أو النار، إنما يراد بهما كثرة المنافع، دون كثرة الثواب، لان الثواب لا يكون إلا للمكلف المأمور، وهذان جمادان.
وعلى ما يذهب إليه أصحابنا أن ذلك يدل على تفضيل آدم على الملائكة وكان ذلك مستحقا، فلذلك أسجد الله الملائكة له.
فإن قيل: لم اعترض إبليس على الله مع علمه أنه لا يفعل إلا الحكمة؟
قلنا عنه جوابان:
أحدهما - أنه اعترض كما يعترض السفيه على الحكيم الحليم في تدبيره من غير فكر في العاقبة.
والثاني - أن يكون جهل هذا بشبهة دخلت عليه. وعلى ما نذهب إليه من أنه لم يكن عرف الله قط سقطت الشبهة.
واستدل أيضا بهذه الآية على أن الجواهر متماثلة بأن قيل: لا شئ أبعد إلى الحيوان من الجماد، فإذا جاز أن ينقلب الطين حيوانا وإنسانا جاز أن ينقلب إلى كل حال من أحوال الجواهر، لأنه لا فرق بينهما في العقل.
واستدل أيضا بهذه الآية على أن الامر من الله يقتضي الايجاب بأن الله تعالى ذم إبليس على امتناعه من السجود حين أمره، فلو كان الامر يقتضي الندب لما استحق العيب بالمخالفة وترك الامتثال، والامر بخلاف ذلك في الآية.
قوله تعالى:
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (12) آية قوله " قال فاهبط منها " حكاية لقول الله تعالى لإبليس وأمره إياه أن