أخبر الله تعالى بهذه الآية عن هؤلاء الكفار الذين سألوا الآيات وعلم من حالهم أنهم لا يؤمنون ولو فعل بهم ما فعل حتى لو أنزل عليهم الملائكة وكلمهم الموتى بأن يحييهم الله حتى يكلموهم، وحشر عليهم كل شئ قبلا، على المعنى الذي فسرناه من ظهور خرق العادة فيه والمعجزة الباهرة فيه لم يؤمنوا لشدة عنادهم وعتوهم في كفرهم. ثم قال " الا ان يشاء الله " ومعناه أحد أمرين:
أحدهما - قال الحسن: إلا أن يشاء الله أن يجبرهم على الايمان بأن يمنعهم من اضداد الايمان كلها منهم الايمان.
الثاني - قال أبو علي الجبائي: الا ان يشاء الله ان يلجئهم بأن يخلق فيهم العلم الضروري بأنهم ان راموا خلافه منعوا منه كما أن الانسان ملجأ إلى ترك قتل بعض الملوك بمثل هذا العلم. وإنما قلنا: ذلك، لان الله تعالى قد شاء منهم الايمان على وجه الاختيار، لأنه أمرهم به وكلفهم إياه، وذلك لا يتم إلا بأن يشاء منهم الايمان، ولو أراد الله من الكفار الكفر للزم أن يكونوا مطيعين إذا كفروا، لان الطاعة هي فعل ما أريد من المكلف. وللزم أيضا أن يصح أن يأمرهم. ولجاز ان يأمرنا بأن نريد منهم الكفر كما أراد هو تعالى وفي الآية دلالة على أن إرادة الله محدثة، لان الاستثناء يدل على ذلك لأنها لو كانت قديمة لم يجز هذا الاستثناء، كما لا يجوز ان يقول القائل:
لا يدخل زيد الدار الا أن يقدر الله أو الا ان يعلم الله لحصول هذه الصفات فيما لم يزل.
وقوله " ولكن أكثرهم يجهلون " إنما وصف أكثرهم بالجهل مع أن الجهل يعمهم لان المعنى يجهلون انه لو أوتوا بكل آية ما آمنوا طوعا. وفي الآية دلالة على أنه لو علم الله انه لو فعل بهم من الآيات ما اقترحوها لامنوا أنه كان يفعل ذلك بهم وأنه يجب في حكمته ذلك، لأنه لو لم يجب ذلك لما كان لهذا الاحتجاج معنى. وتعليله بأنه إنما لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنه لو