فيها الادراك، وما قالوه باطل لقيام الدلالة على أن الادراك ليس بمعنى الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق الا ما قلناه، والا خرجت الآية من كونها مدحة.
وقد قيل: ان وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل وذلك يدل على مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جوابا في الآية.
فان قيل: انه تعالى نفى أن تكون الابصار تدركه فمن أين ان المبصرين لا يدركونه؟
قلنا: الابصار لا تدرك شيئا البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضا فان العادة ان يضاف الادراك إلى الابصار ويراد به ذووا الابصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني ويراد به أجمع ذووا الجارحة فان قيل: انه تعالى نفى أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟
قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك ان تستدل بأن تقول: هو تعالى نفى الادراك عن نفسه نفيا عاما كما أنه أثبت لنفسه ذلك عاما فلو جاز ان يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركا. وإذا ثبت نفي ادراكه على كل حال فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفيا عاما فالقول بنفيها عموما مع جواز الروية عليه قول خارج عن الاجماع. فان عورضت هذه الآية بقوله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " (1) فانا نبين انه لا تعارض بينهما وانه ليس في هذه الآية ما يدل على جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إن شاء الله.
وقوله " وهو اللطيف الخبير " قيل في معنى " اللطيف " قولان:
أحدهما - أنه اللاطف لعباده بسبوغ الانعام، غير أنه عدل من وزن