التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٣
قوله تعالى:
لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير (103) آية بلا خلاف.
في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالابصار، لأنه تمدح بنفي الادراك عن نفسه. وكلما كان نفيه مدحا غير متفضل به فاثباته لا يكون الا نقصا، والنقص لا يليق به تعالى. فإذا ثبت انه لا يجوز ادراكه، ولا رؤيته، وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء:
أحدها - انه تعالى تمدح بالآية.
والثاني - ان الادراك هو الرؤية.
والثالث - ان كلما كان نفيه مدحا لا يكون اثباته الا نقصا. والذي يدل على تمدحه شيئان:
أحدهما - اجماع الأمة، فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالى تمدح بهذه الآية، فقولنا: تمدح بنفي الادراك عن نفسه لاستحالته عليه. وقال المخالف:
تمدح لأنه قادر على منع الابصار من رؤيته، فالاجماع حاصل على أن فيها مدحة.
والثاني - ان جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز ان يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل على أن الادراك يفيد الرؤية ان أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصا، وآنست، وأحسست ببصري. وانه يراد بذلك اجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الادراك، لجاز الخلاف فيما عداها من الاقسام.
فاما الادراك في اللغة، فقد يكون بمعنى اللحوق، كقولهم: ادراك قتادة الحسن. ويكون بمعنى النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وأدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال. وأيضا فان الادراك إذا أضيف
(٢٢٣)
مفاتيح البحث: المنع (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست