والنار، وغير ذلك، ولا ادعي اني ملك، لأني انسان تعرفون نسبي، لا أقدر على ما يقدر عليه الملك، وما أتبع الا ما يوحي الله به إلي.
وبين لهم ان الملك من عند الله، والوحي هو البيان الذي ليس بايضاح نحو الإشارة والدلالة، لان كلام الملك كان له على هذا الوجه. وإنما امره بأن يقول ذلك لئلا يدعوا فيه ما ادعت النصارى في المسيح، ولئلا ينزلوه منزلة خلاف ما يستحقه. ثم امره بأن يقول لهم: " هل يستوي الأعمى والبصير " أي هل يستوي العارف بالله تعالى وبدينه العالم به مع الجاهل به وبدينه، فجعل الأعمى مثلا للجاهل والبصير مثلا للعارف بالله ونبيه، هذا قول الحسن والجبائي.
وقال البلخي: معناه هل يستوي من صدق على نفسه واعترف بحاله التي هو عليها من الحاجة والعبودية لخالقه، ومن ذهب عن البيان وعمي عن الحق " أفلا تتفكرون " فتنصفوا من أنفسكم وتعملوا بالواجب عليكم من الاقرار بوحدانيته تعالى ونفي الشركاء والتشبيه عنه، وهذا وإن كان لفظه لفظ الاستفهام فالمراد به الاخبار أي انهما لا يستويان.
وقال مجاهد: الأعمى الضال والبصير المهتدي. ثم قال: " أفلا تتفكرون " تنبيها لهم على الفكر في ما يدعوهم إلى معرفته ويدلهم عليه من آياته وأمثاله التي بينها في كتابه، للفرق بين الحق والباطل، والكافر والمؤمن.
وقال الحسن: " لا أقول لكم عندي خزائن الله " يعني خزائن الغيب الذي فيه العذاب لقولهم: ائتنا بعذاب الله، ولا اعلم الغيب متى يأتيكم العذاب " ولا أقول لكم اني ملك " من ملائكة الله. وإنما أنا بشر تعرفون نسبي. ولكني رسول الله يوحى إلي، ولا أتبع الا ما يوحى إلي ولا أؤدي الا ما يأمرني بأدائه واستدل الجبائي والبلخي وغيرهما بهذه الآية على أن الملائكة أفضل من الأنبياء لأنه قال " ولا أقول لكم اني ملك " فلولا ان الملائكة أفضل وأعلى منزلة ما جاز ذلك. وهذا ليس بشئ لان الفضل الذي هو كثرة الثواب لا معنى له هاهنا، وإنما المراد " ولا أقول اني ملك " فأشاهد من امر الله وغيبته عن