فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٧
هو الذي يقيم البيت فهي العمل الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر (وذروة) بضم أوله وكسره، قيل: وفتحه أيضا (سنامه) ذروة كل شئ أعلاه والسنام ما ارتفع من ظهر البعير (الجهاد) فهو أعلى أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم دينا وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخر، شبه الأمر المذكور بفحل إبل وخصها لكونها خيار أموالهم وببيت قاتم على عمد ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والعمود والسنام وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال (تنبيه) قال ابن الزملكاني: قد استبان من هذا ونحوه أن العبادات والقربات فيها أفضل ومفضول وقد دل على ذلك المعقول والمنقول ومنها ما يوصل إلى المقام الأسنى لكن قد يعرض للمفضول ما يكسبه على غيره فضلا فليفصل ذلك ليتخذه أصلا فإن العبادة تفضل تارة بحسب زمانها وأخرى بحسب مكانها وطورا بحسب حال المتصف بها وآونة بمقتضى سببها ومرة تترجح لعموم الانتفاع وأخرى بوقوعها في بعض الأزمة أو البقاع كما مر في خبر أفضل الأعمال ونحوه والحاصل أن العبادة تكون فاضلة ومفضولة باعتبارين مختلفين كما يصير فرض الكفاية في بعض الأحوال فرض عين (طب عن معاذ) بن جبل.
4374 - (راصوا الصفوف) أي تلاصقوا وضاموا أكتافكم بعضها إلى بعض حتى لا يكون بينكم فرجة تسع واقفا أو يلج فيها مار (فإن الشيطان يقوم في الخلل) الذي بين الصفوف ليشوش صلاتكم ويقطعها عليكم. قال القاضي: والرص ضم الشئ إلى الشئ. قال الله تعالى: * (كأنهم بنيان مرصوص) * فالتراص في الصفوف هو التداني والتقارب يقال رص البناء إذا ضم بعضه إلى بعض. (حم عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه‍. ومن ثم رمز المصنف لصحته.
4375 - (راصوا صفوفكم) أي صلوها بتواصل المناكب (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم (وحاذوا بالأعناق) (1) بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشئ إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق أنفسها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذي عنقه عنق القصير الذي بجنبه، ذكره القاضي. وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف بحاء مهملة وذال معجمة، ووهم من قال بمعجمتين غنم سود صغار فكأن الشيطان يتصغر حتى يدخل في تضاعيف الصف قال الزمخشري: سميت به لأنها محذوفة عن المقدار الطويل. (ن عن أنس) رمز المصنف لصحته، وظاهر اقتصاره على النسائي أنه
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست