فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٥
ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة، ومن ثمة قيل: اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل: من صحت مودته احتملت جفوته وقيل: إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء:
لما عفوت ولم أحقد علي أحد * أرحت نفسي من حمل العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته * لأدفع الشر عني بالتحيات وأحسن البشر للإنسان أبغضه * كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات ولست أسلم ممن لست أعرفه * فكيف أسلم من أهل المودات الناس داء دواء الناس تركهم * وفي الجفاء لهم قطع الأخوات فخالط الناس واصبر ما بليت بهم * أصم أبكم أعمى ذا تقيات ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري: أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلا وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي: من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند الله وجيها مشفقا كما في الدنيا، وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم، وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى * (فقولا له قولا لينا) * وقال تعالى * (وأعرض عن الجاهلين) * قال الحليمي: ولم يكمل علم حسن المعاشرة إلا للمعصوم فإن غيره إن ضبط شيئا أغفل بإزائه غيره. (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلا).
4371 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف: لا سؤدد لسئ الخلق وودع بعض العارفين أخا له عند سفره فقال له:
عظني. فقال:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه * ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل (فائدة) قال في الإحياء: ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست