الإيمان من قلبه فالجلوس معهم خطر وجليسهم على خطر (تنبيه آخر) قال الغزالي: إن قيل هل يحصل العلم الذي تعلمه فرض ينظر الإنسان من غير معلم فاعلم أن الأستاذ فاتح وسهل والتحصيل معه أسهل وأروح والله تعالى بفضله يمن على من يشاء من عباده فيكون هو معلمهم (وتواضعوا لمن تعلمون) (2) بخفض الجناح والملاطفة (ولا تكونوا جبابرة العلماء) تمامه كما في مسند الفردوس فيغلب جهلكم علمكم انتهى قال تعالى: * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * (الشعراء) وإذا شرع التواضع لمطلق الناس فكيف بمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة وشرف الطلب وهم أولاده وينبغي أن يخاطب كلا منهم سيما الفاضل بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه وما فيه تعظيمه وتوقيره وتبجيله (تنبيه) لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ قعد بجانبه وأمر وزيره أن يقرأ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع وقد جاء في الخبر تواضعوا لمن تعلمون منه فقام الخليفة وجلس بين يديه مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع ولم يزده ذلك إلا رفعة وهيبة بل ارتفع قدره بذلك حتى أثنى به عليه على مر الزمان. (غريبة) روى أن شيخ الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي فجاء شيخ خليل في غيبته فتجرد ونزل الكنيف يعمل فيه فجاء الشيخ فوجده يعمل فرفع يده وابتهل في صلاح باطنه وشيوع علمه جزاء لما صنعه فأنجب حالا فسارت به الركبان إلى الآن وفي نشر الروض لليافعي رحمه الله تعالى أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح رضي الله عنه بخدمة نسائه وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيرا يعطيه رغيفا وحلوى فسأله ابن مفلح رضي الله تعالى عنه يوما: ما هذا فأخبره فقال: إنه الخضر عليه السلام فإن كان شيخك رح إليه وإن كنت شيخك فلا تأخذ منه فجاءه فأعطاه فرده فقال له الخضر عليه السلام: تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما: ما جلست مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم وما جلست قط مجلسا أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح (خط في الجامع عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال الذهبي: رفعه لا يصح وروى من قول عمر هو الصحيح انتهى.
(1) قيل للإسكندر إنك لتعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك قال: لأن أبي سبب لحياتي الفانية وهو سبب حياتي الباقية وقيل لأبي منصور المغربي: كيف صحبت أبا عثمان قال: خدعته لا صحبته وقال بعضهم: من لم يعلم حرمة من تأدب به حرم بركته ومن قال لشيخه لا: لا يفلح أبدا.
(2) ومن التواضع المتعين على العالم أن لا يدعى وقد قيل لسان الدعوى إذا نطق أخرسه الامتحان وقال شاعر:
ومن البلوى التي * ليس لها في العلم كنه أن من يحسن شيئا * يدعي أكثر منه.
3382 (توبوا إلى الله) أيها المؤمنون وإن كنتم من الكاملين قياما بحق العبودية إعظاما لمنصب