فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٣٦٤
3386 (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) لأن التائب حبيب الله * (إن الله يحب التوابين) * وهو سبحانه لا يعذب حبيبه بل يغفر له ويستره ويسامحه (وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب) لأن المحب يستر الحبيب فإن بدا منه شين غفره فإذا أحب عبدا فأذنب ستره فصار كمن لا ذنب له فالذنب يدنس العبد والرجوع إلى الله يطهره وهو التوبة فرجعته إليه تصيره في محل القرب منه كذا ظهر لي في تقريره ثم رأيت حجة الإسلام قال: معناه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضره الكفر الماضي بعد الإسلام. (القشيري في الرسالة) المشهورة في التصوف (وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) ورواه الديلمي أيضا باللفظ المزبور.
3387 (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) أخذ منه الغزالي أن التوبة تصح من ذنب دون ذنب إذ لم يقل التائب من الذنوب كلها لكن التوبة عما تمائل في حق الشهوة كمدمن الخمر دون آخر منه غير ممكن نعم تجوز التوبة عن الخمر دون النبيذ لتفاوتهما في السخط وعن الكثير دون القليل لأن لكثرة المعصية تأثيرا في كثرة العقوبة وقد اختلف في حد التوبة قال في المفهم: وأجمع العبارات وأسدها أنها اختيار ترك ذنب سبق حقيقة وتقديرا لأجل الله (والمستعفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) ومن ثم قيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين وقالت ربيعة رحمها الله: استغفارنا يحوج إلى استغفار قال الغزالي: والاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو ما يكون بمجرد اللسان ولا جدوى له فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق فهذه حسنة في نفسها تصلح لأن يدفع بها السيئة وعليه تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار والحاصل أن النطق بالاستغفار وإن خلا عن حل عقد الإصرار من أوائل الدرجات وليس يخلو عن الفائدة أصلا فلا ينبغي أن يظن أن وجوده كعدمه ذكره بعض الأكابر وقال النووي رضي الله عنه: فيه أن الذنوب وإن تكررت مائة مرة بل ألفا وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الكل مرة واحدة صحت توبته وفي الأذكار عن الربيع بن خيثم: لا تقل أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم تكن تفعل بل قل اللهم اغفر وتب علي قال النووي رضي الله عنه: هذا حسن وأما كراهة أستغفر الله وتسميته كذبا فلا يوافق عليه لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته وليس كذبا ويكفي في رده خبر أبي داود من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هوا الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف قال ابن حجر: هذا في لفظ أستغفر الله
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست