فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٦
قليل (أين الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه مين إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل:
أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا ولست بمفراح إذ الدهر سرني * ولا جازع من صرفه المتقلب وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا (هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا).
3012 (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها) * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) * (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق قال الفخر الرازي: يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * وقال الزمخشري: قيل لبزرجمهر:
تعال نتناظر في القدر قال: وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا دل على باطن، ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن التدبير ليس للعباد، وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست