فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٩١
من الأمم السالفة (وهما) لفظ رواية الطبراني وما أراهما (إلا مهلكاكم) أيتها الأمة لأن كل منهما زينة الحياة الدنيا كما أخبر الله سبحانه به وقضية ما يزين به التفاخر والتكبر والتهافت على جمعه من أي قبيل والتساقط على صرفه في اللذات والشهوات المهلكات، قال الحرالي المتعلق خوفهم ورجاؤهم بالدينار والدرهم مشركو هذه الأمة وما تعلق به خوفهم ورجاؤهم هو ربهم ومعبودهم الذي إليه تصرف جميع أعمالهم واسم كل امرئ مكتوب علي وجه ما اطمئنان به قلبه وقد رأى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الدنيا في صورة عجوز عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقك قالت بل قتلتهم كلهم فقال تبا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكيهم واحدا بعد واحد ولا يكونوا منك على حذر؟ وقال أبو العلاء رأيت عجوز في النوم مزينة والناس عليها عكوف يعجبون من حسنها فقلت من أنت قالت الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن تعاديني فابغض الدرهم والدينار انتهى لكن مما ينبغي أن يعلم أن الدينار والدرهم يتعلق بهما نظام الوجود فإذا لم يجعل الله لعبده تعلقا قلبيا به بل زهده فيه وجعله كثير النوال ناسجا به نظام الشريعة على أحسن منوال كان جديرا بالعز والإقبال وحسن الثناء عليه من كل ذي مقال كما يشير إليه خبر ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه فالمال من حيث كونه ما لا ليس بقبيح شرعا ولا عقلا وإنما يحسن أو يقبح بالإضاءة إلى مالكه (طب هب عن ابن مسعود عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني فيه يحيى بن الندر وهو ضعيف.
2511 - (إن هذا العلم) الشرعي الصادق بالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين وأصول الفقه ويلحق بها آلاتها (دين فانظروا) أي تأملوا (عمن تأخذون دينكم) أي فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله وفي الإنجيل هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس يقعان كلاهما في بئر انتهى.
فعلى الطالب أن يتحرى الآخذ عمن اشتهرت ديانته وكملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته وكان أحسن تعليما وأجود تفهيما ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق حسن وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الآخذ عن الخاملين فقد عدوا مثل ذلك من الكبر وجعلوه عين الحمق لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها فإن كان الخامل مرجو البركة فالنفع به أعم والتحصيل من جهته أهم وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر وفي الموطأ ما يدل على أن على المستفتي سؤال الأعلم فالأعلم لأنه أقرب إصابة ممن دونه قال ابن القيم وعليه فطر الله عباده وقال الماوردي ليأخذ الطالب حظه ممن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء وبعد الذكر إذا كان النفع بغيرهم أعم إلا أن يستوي النفعان فيكون الآخذ عمن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى لأن الانتساب إليه أجمل والآخذ عنه أشهر وإذا قرب منك العلم فلا تطلب ما بعد وإذا سهل لك من وجه
(٦٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 686 687 688 689 690 691 692 693 694 695 696 ... » »»