فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٩٠
2508 - (إن هذا الدين متين) أي صلب شديد (فأوغلوا) أي سيروا (فيه برفق) من غير تكلف ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا وتتركوا العمل والإيغال كما في النهاية السير الشديد والوغول الدخول في الشئ اه‍ والظاهر أن المراد في الحديث السير لا يفيد الشدة إذ لا يلائم السياق وقال الغزالي أراد بهذا الحديث أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة بل يكون بتلطف وتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم تلك الصفات المذمومة الراسخة فيه ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه وهذا لا يعرف إلا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فإن الصبي يحمل على التعليم ابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم (حم عن أنس).
2509 - (إن هذا الدين متين فأوغل (1) فيه برفق (2) فإن المنبت) وهو الذي انقطع به في السفر وعطلت راحليه ولم يقض وطره (لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) أي فلا هو قطع الأرض التي يممها ولا هو أبقى ظهره ينفعه فكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق فيكره التشديد في العبادة لذلك ويقال للمنقطع به في سفره منبت من البت وهو القطع (تنبيه) قال ابن الجوزي بدأ الشرائع كان علي التخفيف ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب انتهى ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روي موصولا ومرسلا ومرفوعا وموقوفا واضطرب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله.
2510 - (إن هذا الدينار والدرهم) أي مضروبي الذهبي والفضة (أهلكا من كان قبلكم) من

(١) قال في النهاية الإيغال السير الشديد يقال أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم والوغول الدخول في الشئ انتهى.
(2) أي بالغ في العبادة لكن اجعل تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيها بغير رفق ويتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات فيكون مثله مثل الذي أجهد دابته في سفره حتى أعياها أو عطبت ولم يقض وطره.
(٦٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 695 ... » »»