فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٨٦
ويهدى له فكيف الأمر قال كنت أقول ذلك في الدنيا والآن قد رجعنا عنه لما رأيت من كرم الله وأنه يصل إليه ذلك (ه) وكذا البيهقي (عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن ورواه أيضا ابن خزيمة لكنه قال أو نهرا أجراه وقال يعني حفره ولم يذكر المصحف.
2498 - (إن من معادن التقوى) أي أصولها (تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم) ولا تقنع بما علمت فإن القناعة فيه زهد والزهد فيه ترك والترك له جهل وللعلوم أوائل تؤدي إلى آخرها ومداخل تفضي إلى حقائقها وللحقائق مراتب فمن أصول التقوى الترقي في تعلمها فإذا أدرك الأوائل والمداخل لا يظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره وأنه لم يبق منه إلا غامضا طلبه عناء بل يقرأ مما أدرك فلا ينبغي تركه لاستصعابه فإنه مطية المتوكئ وعذر المقصرين، والعلم كله صعب على من جهله سهل على من علمه والمعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست قال بعضهم من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وحق على من طلب المعالي تحمل تعب الطلب والدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وبقدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وقيل مطية الراحة قلة الاستراحة فإن كلت النفس يوما تركها ترك راحة ثم عاودها بعد استراحة فإن إجابتها تسرع وطاعتها ترجع قال عيسى عليه السلام يا صاحب العلم تعلم ما جهلت وعلم الجهال ما علمت قال الحكماء عليك بالإكثار من العلم فإن قليله أشبه بقليل الخير وكثيره أشبه شئ بكثيره (والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه) أي وقلة زيادة العلم نقص له لأن الإنسان معرض للنسيان الحادث عن غفلة التقصير وإهمال التواني فإذا لم يزد فيه نقص بسبب ذلك فعلى الطالب أن يذكر ذلك بإدامة الطلب قال الحكماء لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما ومتى أهمل سياسة نفسه بازديادها من العلوم وأغفل رياضتها بتدرجها في الفهوم فقد عرض ما حصله للضياع (وإنما يزهد الرجل) أي الإنسان وذكر الرجل غالبي (في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم) إذ لو انتفع به لحلا له العكوف عليه وصرف نفائس أوقاته إليه وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به قال الحكماء ومن تمام العلم استعماله ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد قال أبو تمام:
ولم يحمدوا من عالم غير عامل * * حلالا ولا من عامل غير عالم رأوا طرقات المجد عوجا فظيعة * * وأفظع عجز عندهم عجز حازم (خط عن جابر) وفيه ابن معاذ قال في الميزان قال ابن معين ليس بشئ وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبة متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات وأورد له هذا الخبر وأورده ابن
(٦٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 681 682 683 684 685 686 687 688 689 690 691 ... » »»