فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٩٤
أو نظر لما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا أو المعنى أن فائدة المال أو صورته أو التاء للمبالغة كعلامة وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان ولباس أهل الإيمان في الجنان (فمن أصابه) أي المال (بحق) أي بقدر حاجته من الحلال (بورك فيه) أي بارك الله له فيه (ورب متخوض) أي متسارع ومتصرف (فيما شاءت نفسه) أي فيما أحبته والتذت به (من مال الله ورسوله) قال الطيبي كان الظاهر أن يقال ومن أصابه بغير حق ليس له إلا النار فعدل إلى ورب متخوض إيماء إلى قلة من يأخذه بحق والأكثر يتخوض فيه بغير حق ولذا قال في الأول خضرة حلوة أي مشتهاة وفي الثاني فيما شاءت نفسه (ليس له) جزاء (يوم القيامة إلا النار) أي دخولها وهو حكم مترتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله ورسوله فيكون مشعرا بالعلية قال الراغب والخوض الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار في الأمور وأكثر استعماله فيما يذم شرعا * (ذرهم في خوضهم يلعبون) * [الانعام: 91] وهذا حث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال بلا ضرورة فيحرم على القادر كسب ويحل لغيره بشرط ألا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول وإلا حرم (حم ت عن خولة) بنت قيس (بفتح المعجمة) بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها رواية وحديث.
2516 - (إن هذه الأخلاق) جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون (من الله) أي في إرادته وبقضائه وتقديره في رواية إن هذه الأخلاق من الله وفي أخرى إن هذه الأخلاق منائح من الله (فمن أراد الله به خيرا) في الدنيا والآخرة (منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) ليدر عليه من ذلك الخلق فعلا حسنا جميلا بهيا (ومن أراد به سوءا منحه) خلقا (سيئا) بأن يقابله بضد ذلك بأن يجبله على ذلك في بطن أمه أو يصير له ملكة على الاقتدار بالتخلق به بحيث يحمل نفسه على التمرن عليه فيعتاده ويألفه وبه يتميز الخبيث من الطيب في هذه الدار فإذا غلب الخلق السئ على عبد كان مظهرا لخبث أفعاله التي هي عنوان شقاوته وبضده من غلب عليه الحسن (تنبيه) مر غير مرة الخلاف في أن الخلق هل هو جبلي لا يستطاع غيره أو يمكن اكتسابه وتقدم طريق الجمع والحاصل أن فرقة ذهبت إلى أنه من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه وتعلق بظاهره هذا الخبر وأشباهه كالخبر الآتي فرغ الله من الخلق والخلق قال ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق وقال جمع: يمكن لأنه مأمور به ولو لم يكن لما أمر به وحقق آخرون أنه لا سبيل إلى تغير القوة التي هي السجية لكن جعل للإنسان سبيل إلى اكتسابها وإلا لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي وإذا كان هذا ممكنا في بعض البهائم كالوحشي ينقل بالعادة إلى الناس فالآدمي أولى لكن الناس في غرائزهم مختلفون فبعضهم جبل جبلة سريعة القبول وبعضهم جبلته بطيئة القبول وبعضهم في الوسط وكل لا ينفك عن أثر القبول وإن قل
(٦٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 689 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 ... » »»