فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٨٥
2496 - (إن مما أدرك الناس) أي الجاهلية ويجوز رفع الناس على عائد محذوف ونصبه على أن العائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ ذكره الطيبي وغيره لكن الرواية بالرفع فقد قال الحافظ ابن حجر الناس بالرفع في جميع الطرق (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في أولاهما ثم تتابعت بقيته عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، وقوله الأولى أي التي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فالحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى وما من نبي إلا وقد حث عليه وندب إليه وافهم بإضافة الكلام إلى النبوة أن هذا من نتائج الوحي وأن الحياء مأمور به في جميع الشرائع (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فإنك مجزي به فهو أمر تهديد لتاركه نحو * (اعملوا ما شئتم) * [فصلت: 40] أو أراد الخبر يعني عدم الحياء يورث الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد ما لا تستحي من الله في فعله فافعله وما لا فلا فهو أمر إباحة والأول أولى، قال الزمخشري فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء هو الحياء فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة (حم خ) في ذكر بني إسرائيل لكن بدون لفظ الأولى (د) في الأدب (ه) في الزهد (عن ابن مسعود حم عن حذيفة) بن اليمان لكن قوله الأولى ليست في رواية البخاري كما تقرر.
2497 - (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره) بين الناس بنحو نقل وإفتاء وتأليف (وولدا صالحا) أي مسلما (تركه) أي خلفه بعده يدعو له (ومصحفا ورثه) بالتشديد أي خلفه لوارثه ويظهر أن مثله كتب الحديث كالصحيحين (أو مسجدا بناه) لله تعالى لا للرياء والسمعة ومثله الرباط والمدرسة ومصلى العيد ونحو ذلك كما يعلم بالأولى من قوله (أو بيتا لابن السبيل بناه) لله تعالى لا للرياء يعني خانا تنزل فيه المارة من المسافرين بنحو جهاد أو حج (أو نهرا أجراه) أي حفره وأجرى فيه الماء لتحيى به الأرض وأهلها (أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته) وهو يؤمل البقاء ويخشى الفقر (تلحقه من بعد موته) أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابها من بعد موته فإذا مات انقطع عمله إلا منها وتحصل من الأخبار أن الذي تجري عليهم أجورهم بعد الموت أحد عشر نظمها المؤلف وبسطها السخاوي وغيره وتمسك بظاهر هذا الخبر وما أشبهه من زعم أن الميت لا ينتفع إلا بما نسب إليه في الحياة وأطالوا في رده حكى القرطبي أن ابن عبد السلام كان يفتي بأنه لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له لقوله سبحانه وتعالى * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * [النجم: 39] فلما مات رآه بعض أصحابه فقال له كنت تقول لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه
(٦٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 680 681 682 683 684 685 686 687 688 689 690 ... » »»