فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٠
173] ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيا معنى أي ما اخترت إلا الشرك (ق عن أنس).
1923 - (أن الله يقول إن الصوم لي) أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي (وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا الله فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران أحدهما أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين الله يفعله خالصا لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه لله أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد الله له من الكرامات (وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في خبر مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما (من ريح المسك) عند الخلق، قال البيضاوي تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه وقال غيره خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحا تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك قال ابن حجر اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن الله يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا (حم م ت) في الصوم (عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) بألفاظ متقاربة.
1924 - (إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين) بالمعونة وحصول البركة والنماء (ما لم يخن أحدهما صاحبه) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خرجت من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما قال الطيبي فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثا لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»