فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٥
1914 - (إن الله تعالى يعافي الأميين) أي الجاهلين الذين لم يقصروا في تعلم ما وجب عليهم (يوم القيامة) الذي هو محل الجزاء (ما) وفي رواية بما (لا يعافي العلماء) الذين لم يعملوا بما علموا لأن الجاهل يهيم على رأسه كالبهيم ليس عنده رادع يردعه ولا زاجر يكفه فإذا لم يقصر فهو معذور والعالم إذا ركب هواه ردعه علمه وكفه فإن لم يفد فيه ذلك فقد ألقى نفسه في المهالك وكلما قبح من سائر الناس فهو من العلماء أقبح لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي تتبع المعصي وليس لأحد من الأنام مثل فضل العلماء الكرام ولا على أحد نعمة من النعم ما لله عليهم منها والجزاء يتبع الفعل وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا فمتى ازداد قبحا ازداد عقابه شدة فلذا كان العاصي العالم أشد عذابا من العاصي الجاهل ومن ثم فضل حد الحر على العبد حتى أن أبا حنيفة لا يرى رجم الكافر وعلمهم لا يغني عنهم شيئا وكيف يغني وهو سبب مضاعفة العذاب والداعي إلى تشديد الأمر عليهم؟ أفاده كله الزمخشري (حل) من حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن سيار بن حاتم بن جعفر بن سليمان الضبي عن ثابت عن أنس (والضياء) المقدسي في المختارة من هذا الطريق (عن أنس) بن مالك ثم قال أبو نعيم حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر قال عبد الله قال أبي هذا حديث منكر انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأورده الضياء في المختارة وصححه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وهما طرفا نقيض انتهى ورواه عنه أيضا البيهقي ثم قال قال عبد الله بن أحمد هذا حديث منكر حدثني به أبي وما حدثني به إلا مرة.
1915 - (إن الله تعالى يعجب) يعجب إنكار (من سائل) أي طالب (يسأل غير الجنة) التي هي أعظم المطالب وأجل المواهب (ومن معط يعطي لغير الله) من مدح مخلوق والبناء عليه في المحافل ونحو ذلك لأن ذلك لا يرضاه عاقل لنفسه فإن من كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك عجيبا وخسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وسفاهة الرأي وقلة العقل فما يناله العبد يعلمه من الخلق من مدحة وحطام بالإضافة إلى رضى مولاه وشكره وثنائه وثوابه أقل من فلس في جنب الدنيا وما فيها فعجيب أن تفوت نفسك تلك الكرامات الشريفة بهذه الأمور الدنيئة الحقيرة (ومن متعوذ يتعوذ من غير النار) التي قصم ذكرها الظهور وصفر الوجوه وقطع القلوب وأذاب الأكباد وأدمى عيون العباد. ذكر عند الحسن أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد أو غيره عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان، فبكى الحسن وقال ليتني كنت هنادا فعجبوا منه قال ويحكم أليس يوما يخرج؟ فالطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود (خط عن ابن عمرو) بن العاص.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»