فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٦
1916 - (إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا) ظلما بخلافه بحق كقود وحد وتعزيز والمراد أن لهم مزيد مزية على غيرهم من عصاة المؤمنين الذين يعذبهم بذنوبهم وقد يدرك العفو من شاء الله منهم فلا يعذب أصلا، وذكر الدنيا مع أنه لا يكون إلا فيها تتميم أو للمقابلة (حم م) في الأدب (عن هشام بن حكيم) بن حزام القرشي الأزدي صحابي ابن صحابي مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه قتل بأجنادين (حم هب عن عياض بن غنم) وسببه كما في مسلم مر هشام على أناس من الأنباط قد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا فقيل يعذبون في الخراج أو الجزية فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرجه البخاري وقال زين الحفاظ العراقي إسناد أحمد صحيح.
1917 - (إن الله تعالى يعطي على نية الآخرة (1) لأن أعمال الآخرة كلها محبوبة له تعالى، فإذا أحب عبدا أحبه الوجود الصامت كله والناطق إذ الخلق كلهم تبع للخالق إلا من حقت عليه الشقاوة ومن جملة الصامت الدنيا فهي تهرول خلف الزاهد فيها الراغب في الآخرة ولو تركها لتبعته خادمة له والراغب في الدنيا بالعكس فتهرب الآخرة منه فإنه تعالى يبغض الدنيا وأهلها ومن أبغضه تعاصت عليه الدنيا وتعسرت وأتعبته في تحصيلها لأنها مملوكة لله فتهين من عصاه وتكرم من أطاعه * (ومن يهن الله فما له من مكرم) * [الحج: 18] فلذا قال (وأبى) أي امتنع أشد امتناع عن (أن يعطى الآخرة على نية الدنيا) * (ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) * [الشورى: 20] فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة جميعا وإن أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة حالا وربما تنال الدنيا كما تريد الآخرة وإن نلتها فلا تبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة قال الطيبي أشار بالدنيا إلى الأرزاق وبالدين إلى الأخلاق يشعر بأن الرزق الذي يقابله الخلق هو الدنيا وليس من الدنيا في شئ وأن الأخلاق الحميدة ليست غير الدين انتهى. وفي المدخل خبر من بدأ بحظه من الدنيا فاته حظه من الآخرة ولم ينله من دنياه إلا ما قسم له ومن بدأ بحظه من آخرته نال من آخرته ما أحب ولم ينل من دنياه إلا ما قسم له قال ابن عيينة أوحى الله إلى الدنيا من خدمك فأتعبيه ومن خدمني فاخدميه (ابن المبارك) في الزهد (عن أنس) ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في الفردوس مسندا باللفظ المزبور عن أنس.

(1) فمن اشتغل بأعمال الآخرة سهل عليه حصول رزقه * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * [الطلاق: 2].
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»