فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٢
السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيرا وأما * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) * [الاسراء: 72] فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر من مات على شئ بعثه الله عليه فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة (ت عن أنس) ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات.
1927 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشئ من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحا به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله (يوم لا ظل إلا ظلي) بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا (1) (حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري.
1928 - (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) بالرحمة والتوفيق والهداية (ما ذكرني) أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية (و) ما (تحركت بي) أي بذكري (شفتاه) فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق (حم ه ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه.

(1) وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور أي أظلهم في ظلي حال كونه كائنا يوم لا ظل إلا ظلي، هذا هو الظاهر.
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»