1786 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها) فيه خذف وتقديره لما خلقها نظر إليها ثم أعرض عنها بقرينة الحديث الآتي عقبه (فلم ينظر إليها) بعد ذلك نظر رضى وإلا فهو ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لاضمحلت فلم يبق لها أثر ولا خبر وذلك (من هوانها عليه) أي حقارتها لما أنها قاطعة طريق الوصول إليه وعدوة لأوليائه لأنها تزينت لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه فإنها استدرجتهم بمكرها واقتنصتهم بشبكتها فوثقوا بها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها، قيل لحكيم ما مثل الدنيا قال هي أحقر من أن يكون لها مثل وقال بعضهم من نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوضي الله لم ينظر إليه منذ خلقه (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) أرسل عن جمع كثير من الصحابة.
1787 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها) بانقضائها ولأوصافها الذميمة ولأفعالها القبيحة والنظر الثابت المذكور هنا هو نظر الخلق والتقدير والنظر المنفي فيما قبله نظر الرضى عنها (ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك (1) إلا في شرار خلقي) أي في قلوب شرارهم ومن ثم كان أكثر القرآن مشتمل على ذمها والتحذير منها وصرف الخلق عنها وتظافرت على ذلك الكتب الإلهية وتطابقت عليه الشرائع وتوامأت عليه الأمم حتى من أنكر البعث، وأما أهل الثروة والغناء من الصدر الأول فلم تكن الدنيا في قلوبهم بل في أيديهم لصرفهم لها في وجوه الطاعات وعدم شغلهم بها عن الله (تنبيه) العارف تزداد محبته في الله سبحانه وتعالى كلما سلبه شيئا من أمور الدنيا والآخرة لأنه أوقفهم على حدود عبوديتهم ولا يتجاوز بهم إلى رؤية شركتهم له في شئ من الوجود فهم راضون عنه في حال سلبهم كرضاهم حال نسبة الأمور إليهم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا.
1788 - (إن الله تعالى لما) أي حين (خلق الخلق كتب بيده على نفسه) أي أنبت في علمه الأزلي، قال القاضي يعني أنه لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه فشأنه حكم الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق إليه تغيير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكام أمر عقد