فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٥
علق البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو الكمية نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمن صالحا للدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع منع تأثيره لم يحصل البرؤ ومتى تمت المصادفة حصل قال ابن حجر رحمه الله تعالى ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال:
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة * * ما دام في أجل الإنسان تأخير حتى إذا ما انقضت أيام مدته * * حار الطبيب وخانته العقاقير (إلا السام) بمهملة مخففا (وهو الموت) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه قال، ابن القيم والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل (ك عن أبي سعيد) الخدري ونحوه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان.
1784 - (إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها) بفتح المثناة تحت وشدة الطاء وكسر اللام كما في النهاية (منكم مطلع) مفتعل اسم مفعول أصله موضع الاطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض (1) والمراد أنه لم يحرم على البشر شيئا إلا وقد علم أنه سيطلع على وقوعه منهم (ألا) حرف تنبيه (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة بمهملة فجيم فزاي وهي محل العقدة من الإزار (أن تهافتوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تتهافتوا (في النار) من الهفت السقوط وأكثر ما يستعمل التهافت

(1) ويحتمل أن مطلع اسم فاعل والمعنى لم يحرم الله على الآدميين حرمة إلا وقد علم الله أن بعضهم سيقع فيها.
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»