فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٢٨
عليه سجلا وحفظة ليكون حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف (إن رحمتي تغلب غضبي) أي غلبت عليه بكثرة آثارها (1) ألا ترى أن قسط الخلق من الرحمة أكثر من قسطهم من الغضب لنيلهم إياها بلا استحقاق وأن قلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ ولا يعجل بالعقوبة عليهم إذا عصوه بل يرزقهم ويقبل توبتهم وما تعلق بالرحمة والفضل أحب إليه من فعل ما تعلق بالغضب (ت ه عن أبي هريرة) وورد بمعناه من عدة طرق.
1789 - (إن الله تعالى ليؤيد) يقوي وينصر من الأيد وهو القوة كأنه يأخذ معه بيده في الشئ الذي يقويه فيه وذكر اليد مبالغة في تحقق الوقوع (الإسلام برجال ما هم من أهله) أي من أهل الدين لكونهم كفارا ومنافقين أو فجارا على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام على الحد الذي حده وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمنه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والأول هو الملائم للسبب الآتي وقد يقال الأقرب الثاني لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب فيه.
1790 - (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين) أي الدين المحمدي بدليل قوله في الخبر الآتي إن الله يؤيد هذا الدين (بالرجل الفاجر) واللام للعهد والمعهود الرجل المذكور أو للجنس ولا يعارضه خبر مسلم الآتي إنا لا نستعين بمشرك لأنه خاص بذلك الوقت وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مشركا كما قال ابن المنير فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام أنه مطروح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وخلعه لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع جوره وهذا قاله لما رأى في غزوة حنين رجلا يدعي الإسلام يقاتل شديدا: هذا من أهل النار فجرح فقتل نفسه من شدة وجهه فذكره والمراد

(1) المراد بالغلبة سعة الرحمة وشمولها للخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وعضبه صفتان راجعتان إلى إرادة عقوبة العاصي وإثابة المطيع وصفاته تعالى لا توصف بغلبة أحداهما الأخرى وإنما هو على سبيل المجاز للمبالغة وقال الطيبي الحديث على وزان قوله تعالى * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * [الانعام: 54] أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله تعالى عفو كريم يتجاوز عنه بفضله، وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته * لمخلف إبعادي ومنجز موعدي
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»