فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٨١
معه معروفا بإطعامه، فكيف بمن أطعم موحدا؟ ولهذا قال الحبر لا يزهدنك في المعروف كفران من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه معه (تنبيه) قال الراغب: الفرق بين الصنع والفعل والعمل أن الصنع إنما يكون من الإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا لما كان بإجادة، والصنع قد يكون بلا فكر لشرف فاعله، والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله، والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله، والصنع أخص الثلاثة، والعمل أوسطها، والفعل أعمها، وكل صنع عمل ولا عكس: وكل عمل فعل ولا عكس، وهكذا لا يعارضه ما مر من أن المعروف إنما ينبغي أن يفعل مع أهل الحفاظ وأن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل معروفه فيهم لأن ما هناك عند وجود الأهل وغير الأهل فيعدل عن الأهل لغيرهم وما ههنا فيما إذ لم يوجد إلا غير أهل وهو محتاج. قال بعض الشراح هذا الحديث أبلغ حث على استدامة صنائع المعروف حتى يصير طبعا لا يميز بين أهله وهو من يعترف فيجازى ويشكر ويثنى، وبين من لا يعترف فلا يجازى ولا يثنى فإنه أكمل في المكارم وأجزل في الثواب (تتمة) قال بعضهم:
وقع لوالي بخارى وكان ظالما طاغيا أنه رأى كلبا أجرب في يوم برد يرتعد فأمر بعض خدمه بحمله لبيته وجعله بمحل حار وأطعمه وسقاه فقيل له في نومه كنت كلبا فوهبناك لكلب، فأصبح فمات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب. وأين المسلم من الكلب؟ فافعل خيرا ولا تبال فيمن لم يكن أهلا له واطلب الفضائل لأعيانها وارفض الرذائل لأعيانها واجعل الخلق تبعا ولا تقف مع ذمهم ولا حمدهم.
لكن قدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون من الحكماء المتأدبين بآداب الله (خط في رواية مالك) بن أنس (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين. قال الحافظ العراقي في المغني وذكره الدارقطني أيضا في العلل وهو ضعيف أه‍. وذلك لأن فيه بشر بن يزيد الأزدي قال في اللسان عن ذيل الميزان له عن مالك مناكير ثم ساق منها هذا الخبر ثم عقبه بقوله قال الدارقطني إسناده ضعيف ورجاله مجهولون وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن بشير هذا من حديثه عن أبيه عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال إسناده مظلم وخبر باطل أطلق الدارقطني على روايته الضعف والجهالة.
1091 - (اصنعوا لآل جعفر) بن أبي طالب الذي جاء نعيه (طعاما) يشبعهم يومهم وليلتهم (فإنه قد أتاهم ما يشغلهم) عن صنع الطعام لأنفسهم في ذلك اليوم لذهولهم عن حالهم بحزنهم على ميتهم، وهذا قاله لنسائهم لما قتل جعفر وجاء الخبر بموته، فطحنت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعيرا ثم أدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا ثم أرسلوه إليهم. قال ابن الأثير: أراد اطبخوا واخبزوا لهم، فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك ويحلفون عليهم في الأكل: ولا يندب فعل ذلك لأهله الأقربين لأنه شرع في السرور لا في الشرور فهو بدعة قبيحة كما قاله النووي وغيره قال في
(٦٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 676 677 678 679 680 681 682 683 684 685 686 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة