فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٧٧
والتصرفات ومتى كان القلب أفرغ كان الوعي لما يلقى إليه أكثر لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر والدواعي مجتمعة ولأن المعدة خالية فلا تتصاعد منها الأبخرة المشوشة ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة، والاسحار جمع سحر وهو ما بين الفجرين. وقال القونوي السحر زمان أواخر الليل واستقبال أوائل النهار، والليل مظهر للغيب والظلمة، والنهار زمن الكشف والوضوح ومنتهى سعيد المغيبات والمقدرات والغيبة في العلم الإلهي. ومن ثم قال علماء التعبير رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار وأصدق الساعات كلها الرؤيا وقت السحر. ولما كان زمان السحر مبتدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقيق لزم أن يكون الذي يرى إذ ذاك قريب الظهور والتحقيق، وإليه أشار يوسف الصديق بقوله لأبيه * (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) * وقوله * (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) * (يوسف: 100) أي ما كملت حقيقة الرؤيا إلا بظهورها في الحس، فإن بهذه ظهر المقصود من تلك الصورة الممثلة وأينعت ثمراتها. وقال الحراني: الأسحار جمع سحر وأصل معناه التعلل عن الشئ بما يقاربه ويدانيه ويكون منه توجه ما (فإن قلت) هذا يعارضه خبر الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن جابر: أصدق الرؤيا ما كان نهارا لأن الله عز وجل خصني بالوحي نهارا؟ (قلت) قد يقال الرؤيا النهارية أصدق من الرؤيا الليلية ما عدا وقت السحر جمعا بين الحديثين. (حم ت حب ك هب) كلهم من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم (عن أبي سعيد) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص.
(أصدق الحديث) أي الكلام (كتاب الله) أي القرآن أو جميع الكتب الإلهية المنزلة * (ومن أصدق من الله حديثا) * (وأحسن الهدى) بضم ففتح. أو بفتح فسكون: السيرة والطريقة والتيمن (هدى محمد) صلى الله عليه وسلم، فهدى جميع الأنبياء حسن وهديه أحسن لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من الكمالات وبعث لتتميم مكارم الأخلاق التي اتصفوا بها (وشر الأمور محدثاتها) التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع (حم عن ابن مسعود). 1084 - (اصرف) بكسر همزة الوصل وبالفاء وفي رواية اطرق بالقاف (بصرك) أي اقلبه إلى جهة أخرى إذا وقع على أجنبية أو نحوها بلا قصد، فإن صرفته حالا لم تأثم وإن استندمت أثمت * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * والغض عن المحارم يوجب حلاوة الإيمان، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد المحبة في القلب ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته فيصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم ثم يقوى فيصير عشقا. وهو الحب المفرط، ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي وصل إلى شغاف القلب ودواخله، ثم يقوى فيصير تتيما، والتتيم التعبد: فيصير المتتيم عبدا إلى من لا يصلح أن يكون هو عبدا له فيقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد ما كان أميرا، ومسجونا بعد ما كان طليقا، قيل وفيه أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في الطريق، وعلى الرجال غض البصر إلا لحاجة كشهادة وتطيب ومعاملة. ولا ينافي نقل الإمام الاتفاق على منعهن من الخروج سافرات لأنه ليس لوجوب الستر عليها لاحتمال أنها كشفته لعذر (حم م 3 عن جرير) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة وهو بضم ففتح ممدودا أو بفتح فسكون مقصورا - فذكره.
1085 - (اصرم) بهمزة وصل مكسورة وصاد مهملة وراء مكسورة (الأحمق) أي اقطع وده، وهو واضع الشئ في غير محله مع العلم بقبحه، وفي رواية أصرم الأصرم. قال الطيبي: مأخوذ من
(٦٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 672 673 674 675 676 677 678 679 680 681 682 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة