فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٥٥
في القرآن المتعلق بالمعاملات، وهو حث على المساهلة في المعاملة وحسن الانقياد وهو من سخاوة الطبع وحقارة الدنيا في القلب، فمن لم يجده من طبعه فليتخلق به فعسى أن يسمح له الحق بما قصر فيه من طاعته وعسر عليه في الانقياد إليه في معاملته إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته - (طب هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه، وقال الحافظ العراقي: رجاله ثقات، وقال تلميذه الهيتمي: رواه أحمد عن شيخه مهدي بن جعفر الرملي وقد وثقه غير واحد وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر: فيه مهدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح اه‍. فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير وإيهام.
1038 - (اسمحوا يسمح لكم) أي يسمح الله لكم في الدنيا بالإنعام وفي العقبى بعدم المناقشة في الحساب وغير ذلك، ولا يخفى كمال السماح على ذي لب، فجمع بهذا اللفظ الموجز المضبوط بضابط العقل الذي أقامه الحق حجة على الخلق ما لا يكاد يحصى من المصالح والمطالب العالية وما ذكر من أن الرواية: يسمح لكم: باللام هو ما في نسخ لا تكاد تحصى، ثم رأيت المصنف كتب بخطه في نسخته من هذا الكتاب بكم بباء موحدة وضبطها (عب عن عطاء مرسلا) عطاء في التابعين المرسلين جماعة فكان ينبغي تمييزه.
1039 - (اسمعوا) أي استمعوا كلام من تجب طاعته من ولاة أموركم وجوبا (وأطيعوا) أمرهم وجوبا فيما لا معصية فيه لأنهم نواب الشرع (فإن قلت) ذكر الأمر بالطاعة كاف، فما فائدة الأمر بالسمع معه (قلت) فائدته وجوب استماع كلامه ليتمكن بالإصغاء إليه من طاعة أمره على الوجه الأكمل، ولذلك أمر بالإنصات عند تلاوة القرآن وفي خطبة الجمعة ونهى عن رفع الصوت على صوت صاحب الشرع ليفهم كلامه ويتدبر ما في طيه ويطاع أمره جملة وتفصيلا (وإن استعمل) بالبناء للمجهول (عليكم عبد) أعرب بالرفع نائب الفاعل (حبشي) أي وإن استعمله الإمام الأعظم أميرا إمارة خاصة أو عامة ليس من شرطها الحرية، وإرادة العتيق فسماه عبدا باعتبار ما كان، والمراد اسمعوا ولو لحبشي سواء كان ذلك الحبشي مفتونا أو مبتدعا كما اقتضاه تبويب البخاري عليه بباب إمامة المفتون والمبتدع، ثم زاد في المبالغة بوصف العبد بقوله (كأن رأسه زبيبة) بزاي مفتوحة حبة عنب سوداء: حالا أو صفة لعبد: أي مشبها رأسه بالزبيبة في السواد والحقارة وقباحة الصورة، أو في الصغر، يعني وإن كان صغير الجثة حتى كأن رأسه زبيبة، وقد يضرب المثل بما لا يكاد يوجد تحقيرا لشأن الممثل، والمراد وشعر رأسه مقطقط إشارة إلى بشاعة صورته، وأجمعوا على عدم صحة تولية العبد الإمامة لكن لو تغلب عبد بالشوكة وجبت طاعته خوف الفتنة. وفي رواية بدل كان إلخ مجدع الأطراف: أي مقطوع الأعضاء، والتشديد للتنكير، ذكره ابن الأثير. وهذا حث على السمع والطاعة للإمام ولو جائرا. وذلك لما يترتب عليه من اجتماع الكلمة وعز الإسلام وقمع العدو وإقامة الحدود
(٦٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 650 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة