فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٤٠
وقال صليت مع أهلي (مسجدا) يعني محل جماعة (فصل مع الناس) أي مع الجماعة (وإن كنت قد صليت) قبل ذلك تقرير لقوله كنت صليت أو تحسين للكلام كما في قوله * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * فإن قوله لغفور رحيم خبر قوله * (إن ربك للذين عملوا السوء) * وقوله * (إن ربك من بعدها) * تكرير، وزعم بعضهم أن فيه صحة الصلاة بدون جماعة لأنه لم يأمره بالإعادة ممنوع، لاحتمال قوله وإن كنت صليت أي في جماعة، ويدل له صليت مع أهلي والاحتمال يسقط الاستدلال، وفيه الأمر بالمعروف ولو في غير واجب والسؤال عن العذر قبل الإنكار وتعليم الجاهل وذكر العذر (والأمر) بالإعادة في جماعة حكمته الائتلاف وعدم المخالفة الموجبة لنفرة القلوب وندب إعادة الصلاة لمن صلى جماعة أو فرادى.
(ص عن محجن) ابن أبي محجن (الديلمي) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم المدني صحابي قليل الحديث قال الذهبي فيه بشر بن محجن ولا يكاد يعرف انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه إلا أن يكون اعتضد.
597 - (إذا دعا أحدكم) ربه (فليعزم) بلام الأمر (المسألة) لفظ رواية مسلم وليعزم في الدعاء أي فليطلب طلبا جازما من غير شك ويجتهد في عقد قلبه على الجزم بوقوع مطلوبه إحسانا للظن بكرم ربه تعالى ثم بين العزم بقوله (ولا) يعلق ذلك بنحو مشيئته (فلا يقل اللهم إن شئت فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة بعطائه لأن من اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء فلا معنى لذكر المشيئة بل فيه صورة استغناء عن المطلوب والإخلاص في العبودية يقتضي الجزم بالطلب فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار وفي رواية بدل فأعطني اغفر لي وفي أخرى ارحمني وفي أخرى ارزقني وفي رواية تقديم المشيئة كما هنا وفي رواية تأخيرها قال ابن حجر: وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به قال الزمخشري: والعزم التصميم والمضي على فعل شئ أو تركه بعقد القلب عليه وأن يتصلب فيه (فإن الله) يعطي ما يشاء لمن يشاء ومن هو كذلك (لا مستكره) بكسر الراء وفي رواية لا مكره (له) أي يستحيل أن يكرهه أحد على شئ لأن الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن وهو إذا أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء وليس في الوجود من يكرهه على خلاف مراده فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل العبث الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه فيكره ذلك تنزيها، ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحمل المستوي الطرفين كما أشار إليه النووي فإطلاق التحريم بدون هذه الإرادة سقيم وفيه ندب إلى رجاء الإجابة. قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير فإنه تعالى أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال * (أنظرني.. إلخ) * وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال * (وإلى ربك فارغب) * والرهبة تكون منه كما قال * (وإياي فارهبون) *. (حم ق) في الدعوات (عن أنس) قال المناوي رواه الجماعة كلهم إلا النسائي.
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة