وهو معلق عن العمل فيما بعده باسم الاستفهام الذي هو أين وقد أشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يمكن تعلقه بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام فقالوا معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده فيكون فيه مضاف محذوف وليس استفهاما وإن كان صورته صورته والنهي للتنزيه لا للتحريم عند الجمهور ومعقول لا تعبدي خلافا لبعض المالكية والحنابلة وليست الرجل كاليد خلافا لابن حزم لأن اليد آلة الاستعمال والرجل لا تشاركها في الجولان وبفرضه هي أقل جولانا وليس الحكم خاصا بنوم الليل كما مر، نعم فرق أحمد بينهما بالنسبة للوجوب وللندب فجعله في نوم الليل واجبا وفي النهار مندوبا وهو كما قال النووي مذهب ضعيف إذ قوله من نومه اسم جنس فيعم كل نوم وقوله في رواية أخرى من الليل من ذكر بعض أفراد العام ثم قال العراقي وإذا تقرر أن العلة احتمال النجاسة فلا يختص الحكم بحال الانتباه من النوم فمتى شك في طهر يده كره غمسها قبل غسلها ثلاثا وإن لم يكن انتبه من نوم. هذا مذهبنا كالجمهور، ومن يرى الحكم تعبديا لا يلحق الشك بالنوم. قال ابن قدامة: ولا فرق بين كون النائم متسرولا أو يده في جراب أو لا لأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لبراءة الرحم قال وغمس بعض اليد ولو بعض أصبع أو ظفر ككلها لوجود العلة وقوله فلا يدخل يده يدل على أنه إذا غسل إحداهما أدخلها وإن لم تغسل الآخرى خلافا لبعض المالكية ولا تجب نية عند غسلهما إلا عند من أوجبه وزعم أنه تعبدي وقوله في الإناء محمول على إناء دون قلتين كما في غالب الأواني وفيه أنه يندب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة فالمحققة أولى إذ المتوهمة لا يحصل الاحتياط فيها بالنضح بل لا بد من الغسل وأن محل الاستنجاء بالحجر لا يطهر بل يعفى عنه بالسنة للصلاة وأن الماء القليل ينجس بوصول نجس إليه وإن قل ولم يغيره لأن الذي يعلق باليد ولا يرى في غاية القلة وأن الغسل سبعا غير عام في جميع النجاسات وهو قول الجمهور خلافا لأحمد والأخذ بالوثيقة العمل بالاحتياط ما لم يخرج إلى الوسوسة واستعمال لفظ الكناية فيما يتحاشى عن التصريح به وغير ذلك واستدل بهذا الحديث على التفريق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وهو جلي وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه ما فيه إذ مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن الكراهة بالمتيقن أشد منها بالمظنون فلا دلالة فيه قطعية ذكره ابن دقيق العيد.
(تتمة) قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكما به أنا أدري أين باتت يدي باتت في الفراش، فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ استخفافا بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت الأخبار به وثبت عند الثقات أن رجلا بقرية بلاد بصرى في سنة خمس وستين وستمائة كان سئ الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئا أعطاك شيخك هذا السواك فأخذه وأدخله في دبره استحقارا له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم