فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢١٥
فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب: " ولا تقطع الخدمة وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفا أن يقيمك في خدمته " ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور، هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقا يقال استدمت الأمر ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به (ق عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم.
198 - (أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) يعني أن تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت ذاكر فإن للذكر فوائد جليلة وعوائد جزيلة وتأثيرا عجيبا في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضد ذلك. قال الطيبي: ورطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن إدامة الذكر قبل ذلك فكأنه قيل أحب الأعمال إلى الله تعالى مداومة الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى * (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * انتهى وقال بعض الصوفية أراد بالرطب عدم الغفلة فإن القلب إذا غفل يبس اللسان. قال الزمخشري: ومن المجاز رطب لساني بذكرك وأصل الرطوبة كما قال ابن سينا كيفية تقتضي سهولة التفرق والاتصال والتشكل وضدها اليبوسة والبلة الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل انتهى وفي الحديث حث على الذكر حيث علق به حكم الأحبية وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة ليفوز بهذه المحبة فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الأحوال لكن يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام ويستثنى من عمومه أيضا المجامع وقاضي الحاجة فيكره لهما الذكر اللساني أما القلبي فمستحب على كل حال. (حب وابن السني في عمل يوم وليلة طب هب عن معاذ) بن جبل قال: آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت إلى آخره، قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ضعفه جمع ووثقه أبو زرعة وبقية رجاله ثقات والمؤلف رمز لصحته تبعا لابن حبان.
199 - (أحب الأعمال) التي يفعلها أحدكم مع غيره (إلى الله من) أي عمل إنسان (أطعم) محترما (مسكينا) أي مضطرا إلى الطعام (من جوع) قدمه على ما بعده لأنه سبب لحفظ حرمة الروح (أو
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة