فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢١٤
أولا ولا آخرا بل القصد التحرز عن إخراجها عن وقتها منع بأن إخراجها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الندب واعترض (ثم بر الوالدين) أي الإحسان إليها وامتثال أمرهما الذي لا يختلف الشرع ومن برهما بر صديقهما ولو بعد موتهما والبر التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع.
والوالدين تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع زواله بظهور صورة منه بخلق صورة نوعه ذكره الحراني والمراد بهما هنا من له ولادة من الطرفين وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج وعقب الصلاة بالبر اقتداء بقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * الآية ولأن الصلاة أعظم الوصل بين العبد وربه وبر الوالدين أعظم الوصل بين العبد والخلق فأولى الأعظم للأعظم (ثم الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الجبار وإظهار شعر دينه والجمع بين هذا وأخبار إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وأحب الأعمال إلى الله أدومها وغير ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كلا بما يوافقه ويصلحه أو بحسب الوقت أو الحال وقد تعارضت النصوص في تفضيل الصلاة على الصدقة والذي عليه الجمهور أن الصلاة أفضل لكن قد يعرض حال يقتضي مواساة مضطر فتكون الصدقة أفضل وقس عليه قال في المطامح وأخر الجهاد مع أن فيه بذل النفس لأن الصبر على أداء الصلاة أول وقتها وعلى ملازمة برهما أمر متكرر دائم بدوام الأنفاس ولا يصبر على مراقبة أمر الله تعالى فيه إلا الصديقون أو لأن فضل الجهاد يكاد يكون بديهيا إذ لا تنتظم العبادات والعادات إلا به فلما استقل بمنزلته وعرف بدرجته اهتم الشارع ببيان ما قد يخفى من شأن غيره تحقيقا لمراتب الأعمال والعبادات وترغيبا في الجد في الطاعات، ثم معنى المحبة من الله تعالى تعلق الإرادة بالثواب ومن غيره غليان دم القلب وثورانه عند هيجانه إلى لقاء محبوبه أو الميل الدائم بالقلب الهائم أو إيثار المحبوب على جميع المصحوب أو سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون أو ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه إذا زاد (تنبيه) إن قيل ما الحكمة في تعبيره بالأعمال دون الأفعال؟ قلنا وجهه أن الفعل عام يقال لما كان بإجادة وغيرها وما كان بعلم وغيره وبقصد وغيره ومن الإنسان وغيره كالحيوان والجماد، والعمل لا يقال إلا لما كان بإجادة وتعلم وبقصد من الآدمي كما ذكره الراغب، وقال بعضهم: العمل مقلوب عن العلم فإن العلم فعل القلب والعمل فعل الجارحة وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب منه (حم ق د ن ه) كلهم (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره.
197 - (أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره ابن مالك وابن هشام (أدومها) أي أكثرها ثوابا أكثرها تتابعا ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول. قال الكرماني: وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع الأزمنة على التأبيد، فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل فما معنى الأدوم؟ قلت: المراد بالدوام العرفي وهو قابل للكثرة أو القلة (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه جدا لأن النفس تألفه
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة