فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٥٤
القيامة فإن هذا التخريب يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على ما ذكره بعضهم فيأتي إليه الصريخ فيبعث إليه. وقال الحليمي: بل بعد موته وبعد رفع القرآن ورجحه بعض الأعيان وجمع بحمل الأول على أنه يهدم بعضه في زمن عيسى فيبعث إليه فيهرب ثم بعد موته ورفع القرآن يعود ويكمل هدمه إشارة إلى رفع معالم الدين من أصلها (د ك) في الفتن وكذا البيهقي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته اغترارا بتصحيح الحاكم وهو وهم فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سئ الحفظ لا يحتج بحديثه.
112 - (اتركوا الدنيا لأهلها) أي صيروها من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال ولا تذهب النفس إليه لخسته والمراد بالدنيا الدنانير والدراهم أو المطعم والمشرب والملبس ومتعلقات ذلك أي التوسع في ذلك والتهافت على أخذ ما فوق الكفاية وأما تفسيره بحب الجياة فلا يلائم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق قال الفاكهي: ودنيا كل إنسان بحسب حاله فكلام الشيخ بين طلبته والأمير بين جنده دنيا بالنسبة لهم إلا أن يقصدوا به أمرا أخرويا وذا لا يكاد يكون إلا من موفق لاح له من علم الآخرة لائح فاشتاق لمولاه وغلب شيطانه وهواه وذكر الغزالي أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر برجل نائم ملتف بعباءة فقال: يا نائم قم فاذكر الله تعالى قال: ما تريد مني وقد تركت الدنيا لأهلها فقال: نم إذا يا حبيبي نم (فإنه) أي الشأن (من أخذ منها) مقدارا (فوق ما) أي القدر الذي (يكفيه) أي زائدا على الذي يحتاجه لنفسه والممونة من نحو مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخادم ومركب وآنية تليق به وبهم (أخذ من حتفه) أي أخذ في أسباب هلاكه والحتف الهلاك قال الزمخشري: قالوا المرء يسعى ويطوف وعاقبته الحتوف قيل هو مصدر بمعنى الحتف وهو ا لقضاء وفي الصحاح الحتف الموت يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير قتل ولا ضرب وفي النهاية هو أن يموت على فراشه كأن سقط فمات والحتف الهلاك وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه (وهو لا يشعر) أي والحال أنه لا يدري ولا يحس بذلك ولا يتوقعه لتمادي غفلته.
والشعور الإحساس ومشاعر الإنسان حواسه ومنه الشعار وما شعرت به ما فطنت له وما علمته وليت شعري ما كان منه وما يشعركم وما يدريكم ذكره الزمخشري، فهلاك هذا الدين وسلوك سبيل الناجين الزهد فيها والإعراض عنها والاقتصار على الكفاف، قال الغزالي: وإنما كانت الزيادة على قدر الكفاية مهلكة لأن ذلك يدعو إلى المعاصي فإنها تمكن منها ومن العصمة أن لا يقدر ولأنه يدعو إلى التنعم بالمباحات وهو أقل الدرجات فينبت على التنعيم جسده ولا يمكنه للصبر عنه وذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق والالتجاء إلى الظلمة وهو يدعو إلى النفاق والكذب والرياء والعداوة والبغضاء ولأنه ينهى عن ذكر الله تعالى الذي هو أساس السعادة الأخروية انتهى. ولهذا كان محط نظر السلف الصالح التجرد المطلق عن علائقها أما الأخذ منها بقدر الكفاية لمن ذكر فلا ضير فيه بل قد يجب بل له أخذ ما زاد على كفايته بقصد صرف الفاضل في وجوه البر إن وثق من نفسه بالوفاء بذلك
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة