فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٥٦
الذي جرت العادة أن يرزقه فيه فإنا ما قلنا لك لا تعمل فيها بل نهيناك عن الاعتماد عليها والسكون عندها فإن وجدت القلب يسكن إليها فاتهم إيمانك وإن وجدت قلبك ساكنا مع الله تعالى واستوى عندك وجود السبب المعين وفقده فأنت الذي لم تشرك بالله شيئا فإن أتى رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى أنك من المتقين (قال العارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطونها حقها بل يعصونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها.
قاله شيخنا المحيوي في فتوحاته أه‍.) (تنبيه) قال ابن عربي: طريق الوصول إلى علم القوم التقوى * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم) * أي طالعناهم على العلوم المتعلقة بالعلويات والسفليات وأسرار الجبروت وأنوار الملك والملكوت وقال الله تعالى * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * والرزق روحاني وجسماني وقال * (اتقوا الله ويعلمكم الله) * أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط من العلوم الإلهية (أبو قرة) بضم القاف وشد الراء (الزبيدي في سننه) بفتح الزاء نسبة إلى زبيد البلد المعروف المشهور باليمن واسمه موسى بن طارق (عن طليب) بالتصغير (بن عرفة) له وفادة ولم يرو عنه إلا ابنه كليب وهما مجهولان ذكره الذهبي كابن الأثير وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه.
115 - (اتق الله) بامتثال أمره وتجنب نهيه (حيثما كنت) أي وحدك أو في جمع فإن كانوا أهل بغي أو فجور فعليك بخويصة نفسك أو المراد في أي زمان ومكان كنت فيه رآك الناس أم لا فإن الله مطلع عليك واتقوا الله إن الله كان عليكم رقيبا، والخطاب لكل من يتوجه إليه الأمر فيعم كل مأمور وأفراد الضمير باعتبار كل فرد وما زائدة بشهادة رواية حذفها وهذا من جوامع الكلم فإن التقوى وإن قل لفظها كلمة جامعة فحقه تقدس أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر بقدر الإمكان، ومن ثم شملت خير الدارين إذ هي تجنب كل منهي عنه وفعل كل مأمور به فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين أثنى عليهم في كتابه المبين ثم نبه على تدارك ما عساه يفرط من تقصيره في بعض الأوامر والتورط في بعض النواهي فقال (واتبع) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الموحدة ألحق (السيئة) الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة كما اقتضاه ظاهر الخبر والحسنة بالنسبة إليها التوبة منها فلا ملجئ لقصره على الصغيرة كما ظن وأيا ما كان فالحسنات تؤثر في السيئات بالتخفيف منها يعني ألحق (الحسنة) إياها صلاة أو صدقة أو استغفارا أو تسبيحا أو غيرها (تمحها) أي السيئة المثبتة في صحيفة الكاتبين وذلك لأن المرض يعالج بضده كالبياض يزال بالسواد وعكسه * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * يعني فلا يعجزك إذا فرطت منك سيئة أن تتبعها حسنة كصلاة قال ابن عربي: والحسنة تمحو السيئة سواء كانت قبلها أو بعدها وكونها بعدها أولى إذ الأفعال تصدر عن
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة