فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١١١
جوزي بمثلها وهي ثباتهما على الصراط يوم تزل الأقدام وبه يخرج الجواب عما قيل الجزاء من جنس العمل وفعل المبلغ التبليغ فالمناسب أن يقال بلغت عنه، وأصل الصراط الطريق الخطر السلوك وهو كالطريق في التذكير والتأنيث وبينهما في المعنى فرق لطيف هو أن الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان أو لا والسبيل من الطريق ما اعتيد سلوكه والصراط من السبيل ما لا التواء فيه ولا اعوجاج فهو أخص الثلاثة والمراد به هنا ما ينصب بين ظهراني جهنم يوم الجزاء وتحفه خطاطيف وكلاليب تجري أحوال الناس معها في يوم القرار على حسب مجراهم مع حقائقها ابتداء في هذه الدار ثم المراد بالأفعال الواقعة في هذا الخبر وما قبله وبعده إيجاد حقائقها على الدوام (طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي الدرداء) وفيه إدريس بن يوسف الحراني. قال في اللسان عن ذيل الميزان: لا يعرف حاله. ثم إن المؤلف تبع في عزوه للطبراني الديلمي. قال السخاوي: وهو وهم، والذي فيه عنه بلفظ " رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة " وأما لفظ الترجمة فرواه البيهقي في الدلائل عن علي وفيه من لم يسم انتهى. فكان الصواب عزوه للبيهقي عن علي.
60 - (ابنوا المساجد) ندبا (واتخذوها) أي اجعلوها، قال الحراني من الاتخاذ افتعال مما منه المؤاخذة كأنه الوخذ وهو تصير في المعنى نحو الأخذ في الحس (جما) بضم الجيم وشد الميم أي اجعلوها ندبا بلا شرف جمع أجم وهو ثور أو كبش بلا قرن فأطلق القرون على الشرف مجازا. قال الزمخشري:
من المجاز حصن أجم لا شرف له وقرية جماء وابنوا المساجد جما فيكره اتخاذ الشرف لأنه من الزينة المنهي عنها ومن المحدث: قال المقريزي في تذكرته: مات عثمان والمسجد بلا شرافات وأول من أحدثها عمر بن عبد العزيز. قال الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد بشرف لما في سنن البيهقي عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف، وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي، ويحرم نقشه واتخاذ شرافات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه (ش هق) من حديث زهدم عن ليث بن أبي سليم عن أيوب (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه هنا وصرح به في أصله فقال حسن وليس كما ذكر فقد جزم الذهبي وغيره بأن فيه ضعفا وانقطاعا فإنه لما ساقه البيهقي من سنن أبي داود بسنده استدرك عليه فقال قلت هذا منقطع وتقدمه لذلك ابن القطان فقال ليث ضعيف وفيه انقطاع وأطال في بيانه وأقره مغلطاي.
61 - (ابنوا مساجدكم) أيها المسلمون (جما) أي مجممة بلا شرف ولا يستقيم جعل المعنى غير مرتفعة نظرا إلى أن المشرف يطلق أيضا على المطول لأنه إن أريد بالطول الامتداد في الجهات الأربع فلا يقول به عاقل لأنه يرجع إلى السعة وتوسيع المسجد مطلوب لا ينهى عنه وإن أريد الارتفاع فهو مأذون فيه بنص الخبر الآتي " ارفع البنيان إلى السماء وسل الله السعة " وأما ما قارنه قصد مباهاة فلا فرق في منعه بين طويل وقصير (وابنوا مدائنكم) بالهمز وتركه قال الكرماني والهمز أفصح جمع مدينة من مدن أقام وهي المصر الجامع وقيل مفعلة من مدنت أي ملكت، قال الجوهري سألت أبا علي الفسوي عن
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة