فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٠٦
عليه وتعجبا من شأنه حيث فعل ما فعل يعني انظروا إلى هذا الخبيث اللعين وقبيح ما ارتكبه حيث فعل ما لم يرض العاقل أن ينسب إليه وهو أنه اشترى الضلالة بالهدى فهو جدير بكونه أبغض الكفرة إلى ربه وأمقتهم عنده لاستعداده للاهتداء وقبوله له ثم نكوصه على عقبيه. والقصد بذلك التوبيخ والتعيير فعسى أن يرتدع بالتشنيع عليه وتفظيع شأنه وتهجين سيرته وتقبيح سريرته ويظهر أن من قتل نبيا مثله أو أبغض وكذا من شهد المصطفى فيه بأنه أشقى الناس وعليه فالمراد أنه من أبغض (تمام) في فوائده من حديث أحمد البرقي عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن نصر ابن علقمة عن ابن عائذ عن عمرو بن الأسود (عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة وبمعجمة (ابن جبل) ضد السهل ابن عمرو بن أوس الأنصاري من نجباء الصحابة. قال أنس: جمع معاذ القرآن في حياة الرسول وكان أمة قانتا. وقضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور من هذا الوجه. قال الهيتمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وضعفه أحمد وبقية رجاله ثقات وبه يتجه رمز المؤلف لحسنه.
55 - (أبغض الرجال) المخاصمين وكذا الخنائي والنساء وإنما خص الرجال لأن اللدد فيهم أغلب ولأن غيرهم لهم تبع في جميع المواطن. ألا ترى إلى قول الزمخشري: اكتفى الله بذكر توبة آدم دون حواء لأنها كانت تبعا له كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك (إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وشد الدال أي الشديد الخصومة بالباطل الآخذ في كل لدد أي في كل شئ من المراء والجدال لفرط لجاجه كذا قرره الزمخشري. قال الزركشي: ومنه * (لتنذر به قوما لدا) (مريم: 97) (الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة أي المولع بها الماهر فيها الحريص عليها المتمادي في الخصام بالباطل لا ينقطع جداله وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شئ من خصامه وجها ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق وعكسه بحيث صار ذلك عادته وديدنه فالأول ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة، وسمي ألد لاستعماله لدديه أي جانبي فمه وعتقه، وذهب بعضهم إلى أن أل في: " الرجال " للجنس وفي: " الألد " للعهد والمراد به الخصم الذي خصامه ومجادلته مع الله. والذم وصف للمخاصم والصفة وهو كونه منشأ من موات وهو المني: * (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) * وقصة أبي بن خلف في قوله لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه مشهورة وذلك لأن الخصومة في ذلك كفر والكافر أبغض الخلق إلى الله قال ولو جعلت أل فيه جنسية لاستلزم كون الألد المؤمن أبغض إلى الله من حيث جنس الرجال وفيهم الكافر ورجح ابن حجر ما تقرر أولا من تنزيل الرجال على المخاصمين أو أن المراد الألد في الباطل المستحل له أو أن ذلك ورد على منهج الزجر لمن هذه صفته وتنبيها على قبح حاله وتفضيحه بتهجين عادته وتفظيع طريقته، فعسى أن ينجع فيه هذا التشنيع فيلين قلبه وتنقاد نفسه وتضمحل رذائله فيرجع عما هو عليه من الشرور فيحصل له السرور بدخوله في قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * (البقرة: 160 وآل عمران: 89 والنساء: 146 والمائدة: 34 والنور: 5) (تتمة) قال الغزالي: إذا خاصمت فتوقر
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة