فإن قيل لعله صلى الله عليه وسلم عرف منهم ذلك أي كونهم عالمين بها إجمالا فلم يبحث عنها لذلك كما لم يبحث عن علمهم بعلمه وقدرته مع وجوب اعتقادهما وما ذلك إلا لعلمه بأنهم عالمون على طريق الجملة بأنه تعالى عالم قادر فكذا الحال في تلك المسائل قلنا ما ذكرتموه مكابرة لأنا نعلم أن الأعراب الذين جاءوا إليه صلى الله عليه وسلم ما كانوا كلهم عالمين بأنه تعالى عالم بالعلم لا بالذات وأنه مرئي في الدار الآخرة وأنه أوليس بجسم ولا في مكان وجهة وأنه قادر على أفعال العباد كلها وأنه موجد لها بأسرها فالقول بأنهم كانوا عالمين بها مما علم فساده بالضرورة وأما العلم والقدرة فيهما مما يتوقف عليه ثبوت نبوته لتوقف دلالة المعجزة عليهما فكان الاعتراف والعلم بها أي بالنبوة دليلا للعلم بهما ولو إجمالا فلذلك لم يبحث عنهما قال الإمام الرازي الأصول التي يتوقف عليها صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أدلتها على ما يليق بأصحاب الجمل ظاهرة فإن من دخل بستانا ورأى أزهارا حادثة بعد أن لم تكن ثم رأى عنقود عنب قد اسود جميع حباته إلا حبة واحدة مع تساوي نسبة الماء والهواء وحر الشمس إلى جميع تلك الحبات فإنه يضطر إلى العلم بأن محدثه فاعل مختار لأن دلالة الفعل المحكم على علم فاعله واختياره ضرورية ودلالة المعجزة على صدق المدعي ضرورية أيضا وإذا عرف هذه الأصول أمكن العلم بصدق الرسول فثبت أن أصول الإسلام جلية وأن أدلتها مجملة واضحة فلذلك لم يبحث عنها بخلاف المسائل التي اختلف فيها فإنها في الظهور والجلاء ليست مثل تلك
(٥٦٦)