وإذا ثبت أنه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن التصديق الذي من ضرورته المعرفة وذلك لأن الشارع إنما يخاطب العرب بلغتهم ليفهموا ما هو المقصود بالخطاب فلو كان لفظ الإيمان في الشرع مغيرا عن وضع اللغة لتبين للأمة نقله وتغييره بالتوقيف كما تبين نقل الصلاة والزكاة وأمثالهما ولاشتهر اشتهار نظائره بل كان هو بذلك أولى الثاني جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فدل على التغاير وعلى أن العمل أوليس داخلا فيه لأن الشيء لا يعطف على نفسه ولا الجزء على كله الثالث أنه أي الإيمان قرن بضد العمل الصالح نحو * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * فأثبت الإيمان مع وجود القتال ومنه أي ومما يدل على كونه مقرونا بضد العمل الصالح مفهوم قوله تعالى * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * فإنه يستفاد منه اجتماع الإيمان مع الظلم وإلا لم يكن لنفي اللبس فائدة ومن المعلوم أن الشيء لا يمكن اجتماعه مع ضده ولا مع ضد جزئه فثبت أن الإيمان أوليس فعل الجوارح ولا مركبا منه فيكون فعل القلب وذلك إما التصديق وإما المعرفة والثاني باطل لأنه خلاف الأصل لاستلزامه النقل وقد عرفت بطلانه فإن قيل فلم لا تجعلونه التصديق باللسان يريد أنكم إذا أثبتم النقل عن المعنى اللغوي وجب عليكم أن تجعلوا الإيمان عبارة عن التصديق
(٥٣٥)