لأن الندم على فعل لا يكون معصية بل مباحا لا يسمى توبة وقولنا من حيث هي معصية لأن من ندم على شرب الخمر لما فيه من الصداع ونزف العقل أي خفته وطيشه والإخلال بالمال والعرض لم يكن تائبا شرعا وقولنا مع عزم أن لا يعود إليها زيادة تقرير لما ذكر أولا وذلك لأن النادم على الأمر لا يكون إلا كذلك ولذلك ورد في الحديث (الندم توبة) واعترض عليه بأن النادم على فعل في الماضي قد يريده في الحال أو الاستقبال فهذا القيد احتراز عنه وما ورد في الحديث محمول على الندم الكامل وهو أن يكون مع العزم على عدم العود أبدا ورد بأن الندم على المعصية من حيث هي معصية يستلزم ذلك العزم كما لا يخفى وقولنا إذا قدر لأن من سلب القدرة على الزنا وانقطع طمعه عن عود القدرة إليه إذا عزم على تركه لم يكن ذلك توبة منه وفيه بحث لأن قوله إذا قدر ظرف لترك الفعل المستفاد من قوله لا يعود وإنما قيد به لأن العزم على ترك الفعل في وقت إنما يتصور ممن قدر على ذلك الفعل وتركه في ذلك الوقت ففائدة هذا القيد أن العزم على الترك أوليس مطلقا حتى لا يتصور ممن سلب قدرته وانقطع طمعه بل هو مقيد بكونه على تقدير فرض القدرة وثبوتها فيتصور ذلك العزم من المسلوب أيضا ويؤيد ما قررناه قول الآمدي حيث قال وإنما قلنا عند كونه أهلا لفعله في المستقبل احترازا عما إذا زنى ثم جب أو كان مشرفا على الموت فإن العزم على ترك الفعل في المستقبل غير متصور منه لعدم تصور الفعل منه ومع ذلك فإنه إذا ندم على ما فعل صحت توبته بإجماع السلف وقال أبو هاشم الزاني إذا جب لا تصح توبته لأنه عاجز عنه وهو باطل بما إذا تاب عن الزنا وغيره وهو في مرض مخيف فإن توبته صحيحة
(٥١٢)