وقوله تعالى * (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) * وفي غاية السخاوة حتى عوتب بقوله * (ولا تبسطها كل البسط) * وكان عديم الالتفات إلى زخارف الدنيا حتى أن قريشا عرضوا عليه المال والزوجة والرياسة حتى يترك دعواه فلم يلتفت إليهم وكان مع الفقراء والمساكين في غاية التواضع ومع الأغنياء وأرباب الثروة في غاية الترفع وأحكامه الحكيمة التي فصلت في الكتب الفقهية وإقدامه حيث يحجم الأبطال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يفر قط من أعدائه وإن عظم الخوف مثل يوم أحد ويوم الأحزاب وذلك يدل على قوة قلبه وشهامة جنانه ولولا ثقته بعصمة الله إياه من الناس كما وعدها بقوله * (والله يعصمك من الناس) * لامتنع ذلك عادة وأنه عطف على أقدامه المندرج في المحذورات الداخلية في حيز الاستدلال أي وبأنه لم يتلون حاله وقد تلونت به الأحوال ثم بين قوله بأحواله وما عطف عليه بقوله من أمور من تتبعها علم أن كل واحد منها وإن كان لا يدل على نبوته لأن امتياز شخص بمزيد فضيلة عن سائر الأشخاص لا يدل على كونه نبيا لكن مجموعها مما لا يحصل إلا للأنبياء قطعا فاجتماع هذه الصفات في ذاته صلى الله عليه وسلم من أعظم الدلائل على نبوته وعلى ما قررناه فلا يرد ما يحكى من أفاضل الحكماء من الأخلاق العجيبة التي جعلها الناس قدوة لأحوالهم في الدنيا والآخرة المسلك الثالث من تلك المسالك إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل فإن قيل إن زعمتم مجيء صفته مفصلا أنه يجيء في السنة الفلانية في البلدة الفلانية وصفته كيت وكيت فاعلموا أنه نبي فباطل لأنا نجد
(٤١٠)