برهان اللم فإنا بحثنا عن حقيقة النبوة وبينا أن تلك الماهية لم تحصل لأحد كما حصلت له صلى الله عليه وسلم فيكون أفضل ممن عداه وأما إثباتها بالمعجزة فمن باب برهان الآن قال المصنف وهذا المسلك قريب من مسلك الحكماء إذ حاصله أن الناس في معاشهم ومعادهم محتاجون إلى مؤيد من عند الله يضع لهم قانونا يسعدهم في الدارين واعلم أن المنكرين لبعثته صلى الله عليه وسلم خاصة قومان أحدهما القادحون في معجزته كالنصارى وقد مر ما فيه كفاية لدفع مقالتهم وثانيهما اليهود إلا العيسوية منهم فإنهم سلموا بعثته لكن إلى العرب خاصة لا إلى الخلق كافة واحتجوا أي اليهود المنكرون بوجهين الأول أن نبوته تقتضي نسخ دين من قبله إذ قد خالفهم في كثير من الأحكام الشرعية العملية باتفاق منكم لكن النسخ أمر محال لأنه يدل إما على الجهل أو البداء وكلاهما محال على الله تعالى بيانه أنه لا بد أن يكون الحكم الصادر عنه تعالى مشتملا على مصلحة لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح وحينئذ لو كان فيه أي في الحكم المنسوخ مصلحة لا يعلمها أي لا يعلم فواتها بنسخه فلذلك نسخه فالجهل وإن كان يعلمها فرأى رعايتها أولا ثم أهملها بلا سبب ثانيا فالبداء أي الندم عما كان يفعل
(٤١٢)