كوظائف العبادات وتعيين الحدود ومقاديرها وتعليم ما ينفع وما يضر من الأفعال وذلك أي النبي الشارع كالطبيب الحاذق يعرق الأدوية وطبائعها وخواصها مما لو أمكن معرفتها للعامة بالتجربة ففي دهر طويل يجربون فيه أي في ذلك الدهر الطويل من فوائدها لعدم حصول العلم بها بعد ويقعون في المهالك قبل استكمالها أي قبل استكمال مدة التجربة إذ ربما يستعملون من الأدوية في تلك المدة ما يكون مهلكا ولا يعلمون ذلك فيهلكهم مع أن اشتغالهم بذلك أي بتحصيل العلم بأحوال الأدوية بطريق التجربة يوجب اتعاب النفس وتعطل الصناعات الضرورية والشغل عن المصالح والمعاش فإذا تسلموه من الطبيب خفت المؤنة وانتفعوا به وسلموا من تلك المضار ولا يقال في إمكان معرفته أي معرفة ما ذكر غنى عن الطبيب فكذا لا يقال في إمكان معرفة التكاليف وأحوال الأفعال بتأمل العطل فيها غنى عن المبعوث كيف والنبي لا يعلم ما لا يعلم إلا من جهة الله بخلاف الطبيب إذ يمكن التوصل إلى جميع ما يعلمه بمجرد الفكر والتجربة فإذا لم يكن هو مستغنيا عنه كان النبي بذلك أولى وفيما تقدم من تقرير مذهب الحكماء وهو أن الإنسان مدني بالطبع فلا بد له من قانون عدل محتاج إلى واضع يمتاز عن بني نوعه بما يدل على أن ما أتى به من عند ربه تتمة لهذا الكلام فإنه يدل على وجوب وجود النبي في العناية الأزلية المقتضية للنظام الأبلغ الطائفة الرابعة من قال بامتناع المعجزة فلا يثبت النبوة أصلا لأن تجويز خرق العادة سفسطة ولو جوزناه لجاز انقلاب الجبل ذهبا وماء
(٣٦٦)