عيسى كان نبيا في صباه لقوله * (وجعلني نبيا) * ولا يمتنع من القادر المختار أن يخلق في الطفل ما هو شرط النبوة من كمال العقل وغيره فلا تكون معجزاته في حال صغره متقدمة على نبوته ودعواه إياها ولا يخفى بعده مع أنه لم يتكلم بعد هذه الكلمة المنقولة عنه ببنت شفة إلى أوانه ولم يظهر الدعوة بعد أن تكلم بها إلى أن تكامل فيه شرائطها وبلغ أربعين سنة ومن البين أن ثبوت النبوة في مدة طويلة بلا دعوة وكلام مما لا يقول به عاقل وأما قوله * (وجعلني نبيا) * فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) في أنه تعبير عن المتحقق فيما يستقبل بلفظ الماضي فهذا الذي قررناه إنما هو في المعجز المتقدم على الدعوى وأما المتأخر عنها فإما أن يكون تأخره بزمان يسير يعتاد مثله فظاهر أنه دل على الصدق بخلاف المتقدم بزمان يسير فإنه لا يدل عليه أصلا وأما أن يكون تأخره بزمان متطاول مثل أن يقول معجزتي أن يحصل كذا بعد شهر فحصل فاتفقوا على أنه معجز دال على ثبوت النبوة لكن اختلفوا في وجه دلالته فقيل إخباره عن الغيب فيكون المعجز على هذا القول مقارنا للدعوى لكن تخلف عنها علمنا بكونه معجزا وإنما انتفى التكليف بمتابعته حينئذ أي لم يجب على الناس التصديق بنبوته ومتابعته في الزمان الواقع بين الإخبار وحصول الموعود به لأن شرطه أي شرط التكليف بالتصديق والمتابعة العلم بكونه معجزا وذلك إنما يحصل بعد وجود ما وعد به وقيل حصوله أي حصول الموعود به فيكون المعجز على هذا القول متأخرا عن الدعوى وقيل يصير قوله أي إخباره معجزا عند حصوله أي حصول الموعود به فيكون المعجز على هذا القول متأخرا باعتبار صفته أعني كونه معجزا والحق أن المتأخر هو علمنا بكونه معجزا يعني أن المختار هو القول الأول لأن إخباره كان إخبارا بالغيب في نفس الأمر فيكون معجزا
(٣٤٦)