الاختيار لا ينافيه بل يحققه فإن قلت نحن نقول اختيار العبد أيضا يوجب فعله وهذا الوجوب لا ينافي كونه قادرا مختارا قلت لا شك أن اختياره حادث ولس صادرا عنه باختياره وإلا نقلنا الكلام إلى ذلك الاختيار وتسلسل بل عن غيره فلا يكون هو مستقلا في فعله باختياره بخلاف إرادة الباري تعالى فإنها مستندة إلى ذاته فوجوب الفعل بها لا ينافي استقلاله في القدرة عليه لكن يتجه أن يقال استناد إرادته القديمة إلى ذاته بطريق الإيجاب دون القدرة فإذ وجب الفعل بما أوليس اختياريا له تطرق إليه شائبة الإيجاب واعلم أن هذا الاستدلال أي الوجه الثالث إنما يصلح إلزاما للمعتزلة القائلين بوجوب المرجح في الفعل الاختياري وكون الفعل معه واجبا كأبي الحسين وأتباعه وإلا فعلى رأينا يجوز الترجيح بمجرد تعلق الاختيار بأحد طرفي المقدور من غير داع إلى ذلك الطرف كما مر فلا يلزم من كون الفعل بلا مرجح وداع كونه اتفاقيا واقعا بلا مؤثر وحديث الترجيح بلا مرجح قد تكرر مرارا بما أغنانا عن إعادته والمعتزلة القائلون بأن العبد موجد لأفعاله الاختيارية صاروا فريقين فأبو الحسين ومن تبعه يدعي في إيجاد العبد لفعله الضرورة أي يزعم أن العلم بذلك ضروري لا حاجة به إلى استدلال وبيان ذلك أن كل أحد يجد من نفسه التفرقة بين حركتي المختار والمرتعش والصاعد باختياره إلى المنارة والهاوي أي الساقط منها ويعلم أن الأولين من هذين القسمين يستندان إلى دواعيه واختياره وأنه لولا تلك الدواعي والاختيار لم يصدر عنه شيء منهما بخلاف الأخيرين إذ لا مدخل في شيء منهما لإرادته ودواعيه ويجعل أبو الحسين إنكاره أي إنكار كون العبد موجدا لأفعاله الاختيارية سفسطة مصادمة للضرورة والجواب أن الفرق بين الأفعال الاختيارية وغير الاختيار ضروري
(٢١٩)