المواقف - الإيجي - ج ٢ - الصفحة ٥٨٦
أيضا وامتناع ارتسام الصور التي لها مقدار فيها غير مسلم عندنا لما عرفت آنفا واحتج الخصم النافي للحس المشترك بوجهين الأول أن حصول جبل من ياقوت وبحر من زئبق كما يرى في النوم في جزء من بدن النائم ضروري البطلان قلنا قد ينطبع شبح الكبير في الصغير إنما الممتنع إن يرتسم عين الكبير في الصغير كما مر الثاني كما نعلم أنا لا نشم الروائح ولا نذوق الطعوم ولا نسمع الأصوات ولا نبصر الألوان بالأيدي والأرجل كذلك نعلم أنا لا نذوق ولا نلمس ولا نعقل شيئا مما ذكرناه بالدماغ ومنكره مكابر لإنكار ما يجده كل عاقل من نفسه قلنا عدم توسط الدماغ فيه أي في الإدراك الحسي ممنوع وما ذكرتموه لا يدل عليه وأما أنه أي الدماغ ليس آلة جرمية أي ليس جرمة آلة للإحساسات المذكورة كما اقتضاه دليلكم فنعم إذ لا نزاع لنا فيه الثانية من القوى المدركة الباطنة الخيال وهو يحفظ الصور المرتسمة في الحس المشترك إذا غابت المحسوسات عن الحواس الظاهرة فهو كالخزانة له وبه يعرف من يرى في زمان ثم يغيب ثم يحضر ولولا هذه القوة وحفظها لصور المحسوسات الغائبة لامتنع معرفته أي لامتنع أن يعرف من شيء أنه الذي رؤي فيما سبق من الزمان واختل النظام إذ يحتاج الإنسان حينئذ في كل ما يحس به أن يتعرف حاله في المرة الثانية وما بعدها كما في المرة الأولى فلا يتميز عنده الضار من النافع والصديق من العدو ويختل أمر المعاش والمعاد وأثبت وجود الخيال بوجوه ثلاثة الأول قوة القبول غير قوة الحفظ فمدرك الصور القابل لها أعني الحس المشترك غير حافظها الذي هو الخيال قلنا ما تمسكتم به هو فرع قولكم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وقد مر بطلانه وإن سلم ذلك فالحفظ مشروط بالقبول بديهة فلا بد أن يجتمع القبول مع الحفظ فكيف
(٥٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 581 582 583 584 585 586 587 588 589 590 591 ... » »»