المحكوم عليه والمحكوم به حتى يمكنه ملاحظة النسبة بينهما وإيقاع أحد طرفيها وليس شيء من القوى الظاهرة كذلك فلا بد من قوة باطنة فإن قيل الحاكم هو العقل فلا حاجة إلى قوة أخرى قلنا سنبين أن الجزئيات لا يدركها إلا قوى جسمانية فلا يدركها العقل فلا يحكم عليها بل لا بد من قوة جسمانية تدركها برمتها وتحكم فيما بينها ولقائل أن يقول فما قولك في أن حكمنا بأن زيدا إنسان إن كان المدرك لهما واحدا فالمدرك للجزئي هو المدرك للكلي أعني العقل إذ لا يمكن للقوى الجسمانية إدراك الكليات وحينئذ فقد جاز أن يكون الحاكم بين الجزئيات المحسوسة هو العقل وإلا أي وإن لم يكن مدركهما واحدا بطل أصل الدليل وهو أن الحاكم لا بد أن يحضره الطرفان فإن قيل الحاكم هو العقل كما أشرتم إليه أولا لكنه يمتنع ارتسام صور المحسوسات فيه فوجب أن يكون هناك قوة جسمانية ترتسم فيها صورها كلها حتى يتصور حضورها عنده أجيب بأن الحضور عند العقل لا يجب أن يكون باجتماعها في قوة واحدة بل ربما يكفيه ارتسامها في آلات متعددة للعقل كالحواس الظاهرة الوجه الثاني القطرة النازلة نراها خطا مستقيما والشعلة التي تدار بسرعة شديدة نراها كالدائرة وليستا أي القطرة والشعلة في الخارج عن القوى المدركة خطا ودائرة فهو أي كونهما كذلك إنما يكون في الحس المشترك وليس في الباصرة لأنها إنما تدرك الشيء حيث هو حتى إذا زال عن مكانه لم تدركه فيه بل في مكان آخر فقط فهو لارتسامهما
(٥٨٤)