على الوجه المذكور في قوة أخرى سوى الباصرة وليست تلك القوة هي النفس الناطقة لاستحالة اتصافها بما له مقدار فهي قوة جسمانية باطنة ترتسم فيها صور المحسوسات ولقائل أن يقول يجوز أن يكون ذلك لارتسامه في القوة الباصرة وما ذكرتموه من أن الباصرة لا تدرك الشيء إلا حيث هو ممنوع إذ لا دليل عليه سوى الاستقراء الذي لا يفيد اليقين فنقول لم لا يجوز أن ينطبع في الباصرة صورة الجسم في حيز وقبل أن تنمحي هذه الصورة عنها تنطبع فيها صورته في حيز آخر وإذا اجتمعت الصورتان في الباصرة شعرت بهما معا على أنهما صورة واحدة لشيء واحد ممتد على الاستقامة أو الاستدارة ويؤيد ذلك أن ابن سينا يسلم أن البصر يدرك الحركة ويستحيل إدراكها إلا على الوجه الذي صورناه وأيضا ارتسام ما له امتداد في النفس إنما يستحيل إذا كان حلول الصور فيها كحلول الأعراض في محالها وهو مما ينازع فيه لأن الأعراض متمانعة دون الصور الوجه الثالث ما يراه النائم والمبرسم والكاهن موجود فإن كل واحد منهم يشاهد صورا محسوسة ويدرك أصواتا مسموعة بحيث لا يرتاب فيها ويميز بينها وبين غيرها فلا بد أن يكون لتلك الصور والأصوات وجود إذ العدم المحض يستحيل أن يتميز عن غيره ويشاهد على حسب ما تشاهد الأمور الموجودة وليس وجودها في الخارج وإلا رآها كل سليم الحس فهو في المدرك وهو أي ذلك المدرك جسماني لا عقلي لما مر من أن الجزئيات لا تدركها إلا قوى جسمانية وليس حسا ظاهرا لتعطله في النوم ولأن الرائي ربما كان مغموض العينين فوجب أن يكون حسا باطنا ولقائل أن يقول لعل المدرك لها النفس كما مر من أنها تدرك الكلي والجزئي
(٥٨٥)