وتفاوتها في ذلك إنما هو بحسب القوة الممانعة وضعفها فكل ما كان أقوى ممانعة لمدركه كان أقوى إحساسا به وذلك أي التفاوت في الممانعة قوة وضعفا إنما هو لغلظ الآلة ورقتها فما هو أغلظ آلة كان أشد ممانعة وعلى هذا أضعفها في الإحساس البصر إذ آلتها النور وهو ألطف من آلات سائر الحواس ثم السمع وآلتها الهواء ثم الشم وآلتها البخار ثم الذوق وآلتها الماء ثم اللمس وآلتها الأعضاء الصلبة الأرضية فلذلك كانت ملائماته ألذ ومنافراته أشد إيلاما ثانيها ههنا محسوسات مشتركة أي يشترك في إدراكها الحواس الظاهرة فلا يحتاج في الإحساس بها إلى قوى أخرى كالمقادير والأعداد والأوضاع والأشكال والحركة والسكون والقرب والبعد والمماسة فلو وجب لكل نوع محسوس قوة على حدة كما ذهب إليه جمع لوجب إثبات قوى أخرى لإدراك هذه الأمور لأنها أنواع متخالفة وقد يجاب عنها بأنها محسوسة بالعرض لا بالذات أي بالتبعية لا بالأصالة فلا حاجة فيها إلى قوة أخرى كما أشرنا إليه إنما ذاك فيما هو محسوس بالذات وقد بين كونها محسوسة بالعرض بقوله وإنها إنما تحس بواسطة اللون والضوء والحرارة والبرودة ونحوها وتفصيله أن يقال إن البصر يحس بالعظم والعدد والوضع والشكل والحركة والسكون والمماسة بتوسط الضوء واللون واللمس يدرك جميعها بتوسط حر أو برد وصلابة أو لين والذوق يدرك العظم بأن يذوق طعما كثيرا والعدد بأن يجد طعوما مختلفة والشم يدرك العدد بضرب من القياس وهو أن يعلم أن الذي انقطعت رائحته غير الذي حصلت رائحته ثانيا ويدرك الحركة والسكون بواسطة اللمس إدراكا ضعيفا وأما السمع فإنه لا يدرك العظم ولكنه قد يدل عليه أحيانا من جهة أن
(٥٧٦)