المواقف - الإيجي - ج ٢ - الصفحة ٥٦٥
وغلظا ألا ترى أن الإبصار إن كان بالانطباع كما زعموه كان الظاهر أن لا يتفاوت حال المرئي في الصغر والكبر بالقرب والبعد لكن لما كان الانطباع على ما صوروه من توهم المخروط جاز أن يظهر التفاوت فيه بحسبهما ويدل على صحة القول الأول أن من نظر إلى الشمس بتحديق وإمعان نظرا طويلا ثم أعرض عنها وغمض عينيه فإنها تبقى صورتها في العين مدة ما حتى كأنه بعد التغميض ينظر إليها وكذا من نظر إلى الروضة المخضرة جدا ساعة طويلة نظرا بتدقيق فإن عينيه يتكيفان بتلك الخضرة حتى إذا نظر إلى لون آخر لا يبصره خالصا بل مخلوطا بالخضرة أو غمض عينيه فإنه يجده كأنه ناظر إليها فلولا أن الإبصار بانطباع صورة المرئي لما كان الأمر كذلك ومما يدل على صحته أيضا أن يقال له أي للبصر في إدراكه أسوة بسائر الحواس الظاهرة إذ ليس إدراكها لمدركاتها بأن يخرج منها شيء ويتصل ذلك الشيء بالمحسوس بل إدراكها إياها إنما هو لأن المحسوس يأتيها فوجب أن لا يكون الإحساس بالبصر لخروج شيء منه إلى المبصر بل لأن صورته تأتيه فدل ذلك على صحة الانطباع وفساد الشعاع ويمكن أن يقال على الدليل الأول لعله أي لعل ما ذكرتموه من تفاوت المرئي الواحد في الكبر والصغر بالقرب والبعد لسبب آخر لا لانطباعه في جزء أكبر أو أصغر فإن عدم العلم به لا يوجب عدمه وأن يقال على الثاني أن الصورة أي صورة الشمس أو الروضة إنما تبقى في الخيال دون الجليدية ألا ترى أنه لا يتفاوت الحال بالتغميض والإبصار في هذه الحالة قطعا وأن يقال على الثالث أنه تمثيل وقياس للبصر على الحواس الأخر بلا جامع معتبر إذ من الجائز أن يكون إدراك هذه الحاسة بخروج شيء منها إلى مدركها دون باقي الحواس الظاهرة احتج النفاة للانطباع بوجوه
(٥٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»