فيما مر ضعفه أي ضعف هذا الأصل وفساده فلا يصح ما بني عليه من تعدد القوى وتغايرها ثم إن سلمنا صحته قلنا شرطه عدم تعدد الآلات والقوابل إذ مع تعددها يجوز أن يصدر عن الواحد أشياء متكثرة اتفاقا وأنه أي عدم تعدد الآلة والقابل فيما نحن بصدده غير معلوم فجاز حينئذ أن لا يكون هناك إلا قوة واحدة تجذب الطعام بآلة وتمسكه بأخرى وتهضمه بثالثة وتدفع الفضل بآلة رابعة وتورد الغذاء تارة أكثر من المتحلل وتارة أنقص أو مساويا فلا تعدد في هذه القوى إلا بالاعتبار وما يقال في بيان تعدد القوى أنا نرى العضو قويا في إحديها أي إحدى القوى وضعيفا في الأخرى منها فهما أمران متغايران قطعا لامتناع اجتماع المتنافيين في ذات واحدة ضعيف لجواز أن يكون ذلك الاختلاف في العضو لضعف الآلة واختلاف فيها لا لضعف وقوة في ذات القوة ثم نقول في إبطال القوى لا سيما القوة المصورة كما زعموه أن من تأمل في عجائب الأفعال الحادثة في علم الطبيعة من النباتات المتخالفة الأنواع والحيوانات المتباينة الحقائق البالغة تلك الأفعال العجيبة من الإتقان والأحكام أقصى الغاية وكان ذلك التأمل راجعا إلى فطنة وإنصاف باقيا على فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها من الذكاء والميل إلى الصواب لم يعم بصيرته التقليد من أهل الأهواء ولم يكن أسيرا في مطمورة الوهم أي في سجنه بأن لا يغلب وهمه على عقله علم ذلك المتأمل بالضرورة أنها أي تلك الأفعال العجيبة البالغة تلك الدرجة العالية لا يمكن أن تستند إلى قوى بسيطة أو مركبة عديمة الشعور بما يفرض صادرا عنها سيما ما يحدث في الحيوانات من الصور والأشكال والتخطيطات المقدارية والأوضاع المتلائمة في الرحم وما يفاض فيه من الصور النوعية والقوى التابعة لها على تلك المادة المتشابهة الأجزاء على الرأي الأصوب وما يراعى
(٥٥٤)