الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (الشعراء / 221 _ 227).
فقد استعمل في الآية الأولى (بل) التي للاضراب، وهي بتكرارها تصور تخبطهم في تخير الصفة التي يريدون أن يعيبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم وما أوحي إليه، وتدرجهم العجيب في هذا التخبط، وإصرارهم - مع وضوح البينة - على عدم الايمان.
ولما تكفل الله تعالى بالدفاع عن نبيه في أن وقت مكان نفى عنه قول الشعر كما نفى عنه ريبة المبطلين، إذ جعله في احتراز عن القراءة والكتابة، فقرر - وهو الذي قال لنبيه: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (القلم / 4) - أن لا يخالط نبيه شائبة الشعر، وأنه لا يليق بمصطفاه، وكان الشعر تحمل في الجاهلية الكثير من عادات العرب، وفيها السيئة، وكان جبل بدمائهم، واختلط بعظامهم، فصار مرآة عكست هذه العادات التي هي خصم لدود لنقاء الاسلام وخصاله الحميدة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والهجاء المقذع واللهو البغيض والمبالغة الكاذبة والأنانية والكبر والحمية الجاهلية وغيرها من الموبقات.
ثم أتبع النفي بتأكيد العكس من ذلك، وهو أن هذا النبي الأمين مرسل لتبليغ أمر جليل هو الاسلام، وموحى إليه بكتاب هو كلام الله، وكفى بذلك نبلا وصدقا ووضوح غاية، وهذا كله مما يناقض الشعر الذي بني على المبالغة ومطاوعة الهوى والخيال،